توبة
خلف القضبان
إعداد
القسم العلمي بمدار الوطن
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، أما بعد ...
أخي السجين ! إن من نعم الله عزَّ وجلَّ علينا ، أن الله عزَّ وجلَّ فتح لنا باب التوبة ، مهما كانت ذنوبنا وخطايانا ، فلم يؤيسنا من رحمته ؛ ولم يقنطنا من عفوه ومغفرته ، قال تعالى : ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ﴾ [ الزمر: 53 - 54]
وقال سبحانه : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [الشورى:25] .
والله سبحانه يحب أن يرحم عباده ، فرحمته سبقت غضبه ، ولذلك فهو يدعوهم إلى التوبة ويريدها لهم ، ولا يريد لهم الإصرار على المعاصي : ﴿ وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً ﴾ [ النساء:27] .
فلماذا نعرض – أخي – عن طريق التوبة الذي هو طريق الفوز والرشد ، ونسلك طريق الشهوات الذي هو طريق الخسار والنكد ..
التوبة فريضة شرعية
والتوبة – أخي – هي الرجوع عما يكرهه الله ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه الله ظاهراً وباطناً ..
وهي فرض عين على كل مسلم ، وفرضيتها ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع .
فأما الكتاب فلقول الله تعالى : ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ [النور: من الآية31 ].
وقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً ﴾ [ التحريم: من الآية8] . ففي هاتين الآيتين الأمر الصريح بالتوبة لجميع المؤمنين ، وهذا يدلّ على وجوب التوبة ، ويدل كذلك على أن التوبة ليست خاصة بالعصاة والمخلطين ؛ لأن الله تعالى أمر بها أهل الإيمان .
ومما يدلّ على وجوب التوبة كذلك قوله تعالى : ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الحجرات: من الآية11] حيث قسَّم العباد إلى قسمين : تائب وظالم ، ولما كان الظلم محرماً ؛ كانت التوبة واجبة .
وأما السنة : فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتوبة فقال : (( يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب إليه في اليوم مائة مرة )) [ رواه مسلم ] .
ويا لله العجب ! رسول الله صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وحاشاه صلى الله عليه وسلم عن الذنوب التي نعرفها ، ومع ذلك يتوب في اليوم الواحد مائة مرة !!
ونحن غافلون عن التوبة .. واثقون بالرحمة والمغفرة .. وكأننا ضمنا على الله الجنة ؛ بل الفردوس الأعلى !
وأما الإجماع فقد قال ابن قدامة : الإجماع منعقد على وجوب التوبة .
وقال ابن تيمية: ((ولا بد لكل عبدٍ من التوبة ، وهي واجبة على الأولين والآخرين)) .
الله رحيم بعباده
ومن رحمة الله علينا أخي الحبيب ، أن دعانا إلى التوبة وفرضها علينا لنتوب فيغفر لنا سبحانه وتعالى ، فما أرحمه بنا ، وما أرأفه بحالنا ، وما أحمله علينا ..
قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لله أشدّ فرحاً بتوبة عبده حين يتوب من أحدكم كان على راحلته بأرضٍ فلاة ، فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها ، وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ؛ أخطأ من شدة الفرح )) [ رواه مسلم ] .
فالله عزَّ وجلَّ يدعوك – أخي الحبيب – إلى داره : ﴿ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾ [يونس:25] .
فلم الإعراض ؟ .. ولم الصدود ؟.. ولم الفرار ؟ ..
إن من خاف مخلوقاً فرَّ منه ... أما من خاف من الله تعالى فرَّ إليه : ﴿ فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ ﴾ [ الذريات:50] .
فالله عزَّ وجلَّ يقبل توبة التائبين ، ويغفر ذنوب المذنبين ، ويقبل عثرات العاثرين ... ويرحم دموع الخائفين النادمين ..
فأين التائبون إلى الرحمن ؟!
أين الخائفون من النيران ؟
أين المشتاقون إلى الجنان ؟!
أين الخاطبون للحور الحسان ؟!
ظلم العبد ورحمة الربّ
قال تعالى : ﴿ إِنَّ الْأِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ﴾ [ العاديات:6] .
قال ابن عباس : كفور جحود لنعم الله .
وقال الحسن : هو الذي يعدُّ المصائب وينسى النعيم ...
أما الربُّ عزَّ وجلَّ فهو الحميد ، الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها ..
ينزل سبحانه كل ليلة إلى سماء الدنيا في ثلث الليل الآخر فيقول :
هل من داع فأستجيب له ؟ ..
هل من سائل فأعطيه ؟..
هل من مستغفر فأغفر له ؟ ..
لم يؤيّس عبده من رحمته .. ولم يقنطه من عفوه ومغفرته .. بل قال : متى جئتني قبلتك .. إن أتيتني ليلاً قبلتك .. وإن أتيتني نهاراً قبلتك .. وإن تقربت مني شبراً تقربت منك ذراعاً .. وإن تقربت مني ذراعاً تقربت منك باعاً . وإن أتيتني تمشي أتيتك هرولة .. ولو لقيتني بقراب الأرض خطايا .. ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً .. أتيتُك بقرابها مغفرة .. ولو بلغت ذنوبك عنان السماء ، ثم استغفرتني غفرت لك ، ومن أعظم مني جوداً وكرماً ؟..
عبادي يبارزونني بالعظائم .. وأنا أكلؤهم على فرشهم .. إني والجن والإنس في نبأ عظيم .. أخلق ويعبد غيري .. وأرزق ويشكر سواي .. خيري إلى العباد نازل .. وشرّهم إليَّ صاعد .. أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم .. ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إليَّ .
من أقبل إليَّ تلقيته من بعيد .. ومن أعرض عني ناديته من قريب .. ومن ترك لأجلي أعطيته فوق المزيد .. ومن أراد رضائي أردت ما يريد .. ومن تصرف بحولي وقوتي ألنتُ له الحديد ..
أهل ذكري أهل مجالستي .. وأهل شكري أهل زيادتي .. وأهل طاعتي أهل كرامتي .. وأهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ..
إن تابوا إليَّ فأنا حبيبهم .. فإني أحبُّ التوابين وأحبُّ المتطهرين .. وإن لم يتوبوا إليَّ فأنا طبيبهم .. أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب ..
من آثرني على سواي ؛ آثرته على سواه .. الحسنة عندي والسيئة عندي بواحدة .. فإن ندم عليها واستغفرني غفرتها له ..
أشكر اليسير من العمل .. وأغفر الكثير من الزلل .. رحمتي سبقت غضبي .. وعفوي سبق عقوبتي .. وأنا أرحم بعبادي من الوالدة بولدها ( ) .
ظلم العبد ورحمة الربّ
وأن سألت أخي عن طريق مضمون سهل يسير ليس فيه مشقة ولا نصب ، ومع ذلك فإنه موصل إلى رضوان الله والجنة ، أخبرتك أن هذا الطريق هو طريق التوبة ..
وإذا أردت معرفة ذلك ، فتعال معي لتقرأ ما سطَّره الإمام أين القيم عن سمات هذا الطريق إذ قال رحمه الله : (( هلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء .. بل من أقرب الطرق وأسهلها .. وذلك أنك في وقت بين وقتين .. وهو في الحقيقة عمرك .. وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يُستقبل ..
فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار .. وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولا نصب ، ولا معاناة عملٍ شاق .. إنما هو عمل قلب ..
وتمتنع فيما يُستقبل من الذنوب ، وامتناعك ترك وراحة .. ليس هو عملاً بالجوارح يشق عليك معاناته .. وإنما هو عزمٌ ونية جازمة تريح بدنك وقلبك وسرّك ..
فما مضى تصلحه بالتوبة .. وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية .. وليس للجوارح في هذين نصب ولا تعب .. ولكن الشأن في عمرك .. وهو وقتك الذي بين الوقتين .. فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاتك .. وإن حفظته – مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر – نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم ..
وفي هذا تفاوت الناس أعظم تفاوت .. فهي – والله – أيامك الخالية .. التي تجمع فيها الزاد لمعادك .. إما إلى الجنة وإما إلى النار .. فإن اتخذت إليها سبيلاً إلى ربك .. بلغت السعادة العظمى والفوز الأكبر في هذه المدة اليسيرة التي لا نسبة لها إلى الأبد ..
وإن آثرت الشهوات والراحات واللهو واللعب .. انقضت عنك بسرعة .. وأعقبتك الألم العظيم الدائم الذي مقاساته ومعاناته أشق وأصعب وأدوم من معاناة الصبر عن محارم الله والصبر على طاعة الله .. ومخالفة الهوى لأجله( ) ...
فاستبقوا الصراط
فيا أخي الحبيب بادر بالتوبة الصادقة ، وجدّد التوبة في كل يوم وفي كل وقت .. وإذا أذنبت مرة أخرى ، فجدد توبة أخرى ، ولا تصرّ على الذنب أو تعتقد أن الله عزَّ وجلَّ لا يغفره لك ..
بادر أخي بالتوبة .. ولا تقل سوف أتوب .. أو غداً سأتوب .. وما يدريك أنك ستعيش إلى غدٍ .. فإن الموت يأتي بغتة بلا أسباب ولا مقدمات .. وكم رأينا أناساً ماتوا فجأة وهم في شرخ الشباب .. فهذا توفي بسبب توقف مفاجيء للقلب .. وهذا بسبب حادث مروع ... وذلك بسبب رصاصة طائشة .. وآخر لا يُعلم سبب موته .. قال تعالى : ﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ﴾ [لقمان: من الآية34].
ومن هنا أمر الله عزَّ وجلَّ باغتنام الأوقات في طاعته .. وبالمسارعة بالتوبة قبل حلول الأجل .. قال تعالى: ﴿*وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ﴾ [ آل عمران: من الآية133] .
وقال : ﴿ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ﴾ [ البقرة: من الآية148] .
وقال : ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ [آل عمران:135] .
وقال النبي : (( ويل للمصِرِّين على ما فعلوا وهم يعلمون )) [ رواه أحمد وصححه الألباني ] .
فيا أخي الحبيب !
- تب الآن قبل أن تتراكم الظلمة على قلبك ، فلا تستطيع فكاكاً من المعاصي .
- تب الآن قبل أن يهجم عليك المرض أو الموت فلا تجد مهلة للتوبة والإنابة .
- تب الآن قبل أن يأتيك ملك الموت فتقول: ﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾ فيقال لك ﴿كَلَّا﴾.
- تب الآن واقبل النصح ؛ فالسعيد من وعظ بغيره ..
- تب الآن فبل أن تعضَّ على أصابع الندم وتقول : ﴿ لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً ﴾ [ الفرقان: من الآية27، 28 ] .
أخي الحبيب !
خذ من شبابك قبل الموت والهرم
وبادر التوب قبل الفوتٍ والندم
واعلم بأنك مجزيٌّ ومرتهنٌ
وراقب الله واحذر زلة القدم
من ثمرات التوبة
للتوبة أخي ثمرات عديدة يحتاج إليها كل مسلم ، ولا أراك إلا في شدة الاحتياج إليها ، فاحرص أخي على قطف هذه الثمار فإنها والله فرصتك إلى النجاة والفوز والنعيم ومن ثمرات التوبة :
1. أنها سبب لدخول الجنة والنجاة من النار : لقوله تعالى : ﴿* فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً﴾ [ مريم:59، 60] .
2. أنها سبب لتكفير السيئات وتبديلها حسنات :
لقوله تعالى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ [التحريم: من الآية8] .وقوله تعالى :﴿ إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ﴾ [ الفرقان:70 ] .
3. أنها سبب الفلاح في الدارين :
لقوله تعالى: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[ النور: من الآية31].
4. أنها سبب لمحبة الله :
لقوله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة: من الآية222] .
5. أنها سبب لحصول الخيرات للعبد :
لقوله تعالى : ﴿ وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ ﴾ [ هود:52 ] .
6. أنها سبب للمغفرة والرحمة :
لقوله تعالى : ﴿ وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [ لأعراف:153] .
الطريق إلى التوبة
وإذا سألت أخي عن بداية طريق التوبة فإنه (( اليقظة )) ، فاليقظة هي البداية الحقيقية للاستقامة والنهوض من ورطة الغفلة ومحنة التقصير .
قال ابن القيم رحمه الله : (( فأول منازل العبودية : (( اليقظة )) وهي انزعاج القلب لروعة الانتباه من رقدة الغافلين ... ))
فهل تشعر أخي بالتقصير ؟
هل تشعر بالتفريط في حق الله ؟
هل تشعر بالندم على ما سلف من العصيان ؟
إن مجرد شعورك هذا هو بداية التوبة والاستعداد الحقيقي لها . أما الذين لا يشعرون بذنوبهم وتفريطهم وتقصيرهم ، فإن التوبة لم تخطر ببالهم .
فهل أنت مستعدّ – أخي الحبيب لهذه اليقظة المباركة ؟
هل أنت متشوق لهذا التوجّه الجديد ؟
هل أنت جاهز لهذا التحول في مسيرة حياتك ؟
إنه – والله – مستقبلك الحقيقي ، وسعادتك الأبدية التي إن فقدتها وحُرمت منها ، فقد خبت وخسرت ، وأحاط بك الشقاء من جميع جهاتك ، ولزمتك الحسرة والندامة ، وليت حين مندم .
إننا لا ندعوك – أخي– إلى عمل شاق يصعب عليك .. إننا ندعوك فقط إلى وقفة تأمل وفكرة حقيقية في المصير والمآل، ومحاسبة صادقة للنفس، ومراجعة حثيثة لما قدمت وما ينتظرك
فالأمر جدّ خطير ، ونذير الموت يتربص ، والنهاية الحقيقية في كلمتين : يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت ( ) ... فليت شعري في أيّ المحلَّيْن تكون !!
أسأل الله لي ولك توبة مقبولة وعودة صادقة وإنابة للذنوب ماحقة .