ARFS Investment
مرحبا بك عزيزنا الزائر نرجو التسجيل معنا
ARFS Investment
مرحبا بك عزيزنا الزائر نرجو التسجيل معنا
ARFS Investment
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ARFS Investment

إستثمارية - ترويجية - اقتصادية -ثقافية - اجتماعية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
لن تجد افضل منا استشاراً - وتوجيهاً - ماعليك الا ان تزور موقعنا ستجد المفيد حتماً "مع تحيات ادارة الموقع"

 

 دراسات عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الاول لمنظمة الايسيسكو

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 96
تاريخ التسجيل : 24/12/2011

دراسات عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الاول لمنظمة الايسيسكو Empty
مُساهمةموضوع: دراسات عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الاول لمنظمة الايسيسكو   دراسات عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الاول لمنظمة الايسيسكو I_icon_minitimeالجمعة أبريل 20, 2012 5:43 pm

[font=Arial][size=24][justify][b]مقدمة
منذ أن تطور الإنسان واكتشف أهمية بعض الموارد الطبيعية كالمعادن وتعلم كيف يربي الحيوانات ويستغلها لأغراضه الشخصية، ومنذ أن اكتشف النار والزراعة، تطور كذلك تعامله مع البيئة. وكلما تقدم في التطور، كلما تعقد ذلك التعامل. فمن طور الإنسان المستعمل للموارد الطبيعية البسيطة وفي شكلها الخام، انتقل إلى طور الإنسان الذي أصبح يفكر في تحويلها من مادتها الخاصة إلى شكل قابل للاستعمال.
وحينما دخل الإنسان عصر الصناعة، ازداد ضغطه على البيئة وأصبح يستغل مواردها الطبيعية بشراسة وخصوصا منها الموارد الطاقية.
إذن، فالإنسان أصبح له تأثير كبير على البيئة التي كانت فيما مضى بيئة طبيعية وأصبحت الآن بيئة محدثة من طرفه. إنه يستغلها من أجل الموارد ومن أجل الطاقة والسكن ويطرح فيها فضلاته المنزلية والصناعية، وبعبارة أخرى، فإنه يلوثها.
إن الإنسان أصبح يمارس ضغوطاً كبيرة على البيئة أدت إلى ظهور مشكلات بيئية تختلف حجماً وخطورة حسب درجات النمو والتطور التي وصلت إليها الأمم.
ومما لاشك فيه أن جلّ هذه المشكلات ناتج عن سوء تدبير الإنسان للبيئة بحيث لم تعد تكتسي صبغة محلية محدودة ولكنها تفاقمت لتصبح انشغالاً جهوياً ودولياً. ومن هنا، أصبحت مشاكل البيئة تهم لا دولاً محدودة، ولكن المجتمع البشري كله، نظراً لما لها من تأثير على الحياة بجميع أشكالها. فإذا كانت للدول حدود، فالمشكلات الناتجة عن استغلال الإنسان للبيئة تخترق هذه الحدود وقد تنتشر في أرجاء المعمور بعدة طرق. وهنا تجدر الإشارة على سبيل المثال إلى المشكلات المترتبة عن تلوث الأنهار المشتركة بين الدول، حيث أن كل ما يصيبها من ضرر قد تكون له آثار على جميع هذه الدول أو على بعضها.
فإذا كانت للدول حدود، فالجو يعلو فوق جميع القارات بحيث إذا اختل توازنه فقد ينتشر هذا الاختلال ويتعدى نطاق هذه الحدود. فالإنسان إذن أدخل تغييرات ضخمة وسريعة على النظم البيئية حيث اقتحمها بمدنه وصناعاته بجميع أنواعها، الشيء الذي أدى إلى نهب الموارد الطبيعية وتخريب بعض الأوساط الملائمة للحياة.
وباختصار، إن العالم اليوم يعيش تحت وطأة مشكلات بيئية ضخمة تكتسي صبغة كونية وعلى رأسها التغيرات المناخية المترتبة عن ظاهرة الانحباس المترتبة بدورها عن تراكم ثاني أكسيد الكاربون في الجو الناتج عن مختلف الأنشطة البشرية الصناعية منها والاجتماعية.
ولا داعي للقول إن المشكلات البيئية لها ثمن وكلما زادت حدة هذه المشكلات كلما كان الثمن باهضا وله انعكاسات سلبية على التنمية الاقتصادية والاجتماعية للبلدان المتضررة. ولعل أكثر البلدان تضرراً من المشكلات البيئية الدول النامية التي ليست لها القدرات والإمكانيات الكافية لا على صعيد الوقاية ولا على صعيد العلاج.
والعالم الإسلامي بحكم انتمائه إلى مجموعة الدول النامية تواجهه حالياً وستواجهه مستقبلاً تحديات كبرى لها علاقة وطيدة بالتوفيق بين البيئة والتنمية.
البيئة والتنمية في العالم الإسلامي، الوضع الراهن والتحديات
1.1. مفهـوم البيئة :
لقد عرف مدلول مفهوم البيئة تطوراً مع تقدم الإنسان ومع تكاثر الأنشطة التي يمارسها على وجه الأرض.
على المستوى التاريخي، عرف مفهوم البيئة في مدلوله تطورا مسايرا للتعقيد الذي اتسمت به العلاقات التي يقيمها الإنسان مع الوسط الذي يعيش فيه. وهكذا، فإن البيئة كما عرفها وأدركها الإنسان الأول الذي عاش على جني الثمار والقنص ليست لها نفس الأهمية ونفس المدلول بالنسبة للإنسان الذي اكتشف النار والفلاحة والفليزات، فبالأحرى بالنسبة للإنسان الذي أصبحت التكنولوجيا هي المحرك الأساس لحياته اليومية. لقد أضحت البيئة مرآة للمستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والعلمي والتكنولوجي الذي وصلت إليه الأمم.
وباختصار، إذا كانت البيئة قبل مؤتمري ستوكهولم(1) وتبيليسي(2) تعرف كمجموعة تتألف من مكونات مادية غير حية، ومكونات حية والعلاقات التي تربط بين هذه المكونات، فإن نفس المفهوم عرف تطوراً واضحاً، نتيجة للتغييرات الضخمة التي أدخلها الإنسان على التوازنات البيئية. وبعبارة أخرى، إن البيئة لا يمكن أن ينظر إليها في معزل عن الضغوط التي تمارس عليها من طرف الإنسان. كما لا يمكن أن تعرف من مجرد ما يجنيه هذا الأخير من فوائد من الموارد الطبيعية.
إن هذه النظرة أقل ما يقال عنها أنها أنانية تضع الإنسان في موقع السيد المسيطر والبيئة في موقع المستعبَد.
بالفعل، إن مفهوم البيئة لا معنى له إذا بتر منه واحد من أهم أبعاده الأساس ألا وهو البعد البشري المتمثل في المعطيات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتكنولوجية والأخلاقية والدينية والجمالية، الخ.
إن الإنسان، بحكم ذكائه وتطلعه المستمر إلى مستويات عيش من حسن إلى أحسن وخصوصاً على الصعيد المادي، كان استغلاله وتغييره للعديد من مظاهر البيئة مجردين من كل نظر يمكنه من التنبؤ بكل ما يخبئه له المستقبل.
إن مفهوم البيئة يجب أن يدرك كمفهوم يتسم بالشمولية وككلٍّ غير قابل للتجزيء، حيث يتفاعل كل بعد بيولوجياً كان، أو مادياً أو بشرياً مع الأبعاد الأخرى ويلعب دوراً حيوياً في توازن هذا الكل وخصوصاً في إدراك المشكلات البيئية. وعندما نتحدث عن البعد البشري، فإن الأمر يتعلق بالممارسات والأنشطة التي يقوم بها الإنسان داخل البيئة لأغراض تنموية. ولهذا، فنوعية هذه الممارسات والأنشطة ومدى ملاءمتها مع البيئة أمران أساسان يؤديان إما إلى تخريب هذه الأخيرة وإما إلى حمايتها وصيانة مواردها. وبعبارة أخرى، إن سلامة البيئة واستمرار توازناتها رهينان بالتوفيق بين هذه الأخيرة والتنمية.
1.2. مفهـوم التنمية :
على المستوى اللغوي المحض، يقصد بـ "تنمية" الازدهار، والتكاثر، والزيادة، والرفاهية، مما يوحي بتغيير إيجابي وبتطور وتقدم. وبعبارة أخرى، إن التنمية بالنسبة لمجموعة من السكان أو لبلد بأكمله تعني الطموح إلى وضع وإلى غد أفضل على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فعلى المستوى الاجتماعي، "نما" تعني الوصول إلى سد الحاجيات الأساس للجماعات البشرية والسعي إلى الرفع من جودتها باستمرار. فالتنمية الاجتماعية تسعى إلى رفاهية الأشخاص وتحسين جودة حياتهم من خلال سكن لائق وتغذية كافية وملائمة، وتوفير الخدمات في مجالات الطاقة والماء والصحة والتربية والشغل، الخ.
وعلى المستوى الثقافي، تعني التنمية تحسين المستوى الفكري للجماعات البشرية من خلال تعميم التعليم ومحاربة الأمية والنهوض بالفنون ووسائل الإعلام والتواصل.
وبصفة عامة ، تعني "تنمية"، بكل بساطة، التمكن من الوصول باستمرار إلى مستوى عيش جيد من الناحيتين المادية والمعنوية. وإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن التنمية سياق حركي يؤدي إلى الانتقال من وضع سابق غير مرض إلى وضع لاحق يستجيب بكيفية مُرضية إلى حاجات وطموحات الشخص والجماعة. وإذا كان هذا السياق حركياً، فهو كذلك كمي وكيفي، حيث يعتبر مبدئيا سد الحاجات المادية بمثابة معبر إلى تحقيق الرفاهية على المستوى المعنوي. فالهدف الأخير من التنمية هو تفتح الشخص، الذي يؤدي إلى تقدم المجتمع.
غير أن تحقيق أغراض التنمية رهين بما توفره البيئة من موارد، حيث لا مجال للأولى بدون الثانية. وهذا يعني أن العلاقة بينهما وطيدة واستمرار توازنها يستدعي العقلنة وبعد النظر في الممارسات والتصرفات والسلوكات.
1.3. العلاقة بين البيئة والتنمية :
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فكيفما كانت طبيعة وتوجه وهدف التنمية، وأينما وجدت الجهة التي تتحقق فيها هذه التنمية، فهي في حاجة، لكي تصبح واقعاً، إلى موارد البيئة. وهذا يعني أن الإنسان الذي يطمح إلى النمو يتصرف كعامل معبئ لتلك الموارد ويحدث بذلك نظاماً من العلاقات بين البيئة والتنمية.
ويستنتج من كل هذا أن التنمية بصفة عامة، والتنمية الاقتصادية والاجتماعية بصفة خاصة رهينة بما توفره البيئة من موارد طبيعية. وهكذا، فإن العلاقة بين البيئة والتنمية بديهية، غير أن المشكل يكمن في الاتجاه الذي يرسمه الإنسان لهذه العلاقة من أجل تحقيق طموحاته التنموية.
في هذا الصدد، لسنا في حاجة اليوم إلى أدلة لنقول إن العلاقة التي تربط التنمية بالبيئة تسير في اتجاه واحد، أي من البيئة إلى الإنسان، بحيث "تزود" الأولى و"تضع رهن الإشارة"، بينما الثاني "يأخذ، ويقتطع، ويستغل، ويحول ويحدث الخلل"، إلى حد أن العكس نادراً ما يلاحظ. بل أكثر من هذا، إن البيئة بحكم ما يسود داخلها من نظام وتفاعل بين مختلف مكوناتها قادرة على امتصاص الاختلالات التي يحدثها الإنسان ما لم تتجاوز هذه الاختلالات حداً معيناً. وإذا تجاوزت هذا الحد، وهذا هو ما تتسم به تصرفات الإنسان حالياً، فإن التنمية تصبح، على المدى الطويل، عاملاً هداماً قد تكون له تأثيرات على البيئة يصعب تداركها.
إن الانسجام الذي كان سائداً بين المجتمعات البدائية والنظام البيئي الذي كانت تعيش فيه لم يعد إلا حدثاً تاريخياً يرويه الإنسان كلما أحس بحنين إلى طبيعة كانت فيما مضى حفية وكريمة، ولكنها أضحت في الوقت الراهن نادرة، بل ومعرضة للتقهقر والانقراض.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن هذه المجتمعات البدائية كانت تحقق الاكتفاء الذاتي بسهولة، وذلك باعتمادها فقط على عاملين طبيعيين خارجين عن النظام البيئي والأرضي، وهما الشمس والمطر. إن مثل هذه المجتمعات حالياً اختفت، وإن وجدت منها بقية، فإنها نسيت أو هي بصدد نسيان المعارف والمهارات التي كانت تمكنها من الاستمرار والبقاء. فمنذ دخول الإنسان عصر الصناعة، لم يتوقف عن الإخلال بهذا الانسجام الذي كان مقدساً عند أسلافه. إن التنمية أصبحت بالنسبة له مرادفة للاستهلاك والنمو اللامحدودين، حيث أن الربح الفوري وخصوصا الأنانية جعلاه ينسى أن جزءاً مهماً من هذا النمو ومن هذا الاستهلاك يتم على حساب البيئة، الشيء الذي يعرض للتخريب وللإتلاف القدرة الطبيعية للنظم البيئية على سد حاجاته وحاجات الكائنات الحية الأخرى.
إن العلاقة بين البيئة والتنمية يجب أن تكون متبادلة من أجل الحفاظ على الأولى وضمان استمرار الثانية وذلك للتوفيق بين أهداف التنمية وضرورات حماية البيئة. وهذا يعني أن على الإنسان أن يعيد النظر في أنماط التنمية التي سار عليها إلى حد الآن، والتي لا تنسجم مع التوازنات البيئية. لقد أصبح واضحاً اليوم أن البيئة في مواجهة مستمرة مع التنمية.
1.4. البيئة والتنمية في العالم الإسلامي : الوضع الراهن :
1.4.1. تأثير الفقر و الأمية على البيئة والتنمية :
إذا كانت التنمية قد ساهمت بكيفية لا يمكن تجاهلها في تحسين ظروف عيش المجتمعات البشرية، فيجب أن لا يغيب عن الأذهان أنها مع مرور الوقت أصبحت تسيء للبيئة. والأمثلة في هذا الصدد كثيرة ومتنوعة. وهكذا، فإذا كان الإفراط في الاستهلاك عاملاً من العوامل الأساس لتخريب البيئة وتبذير مواردها في الدول المصنعة، فالفقر والأمية يساهمان كذلك في هذا التخريب في الدول النامية.
ودول العالم الإسلامي بحكم انتمائها للعالم النامي، توجد في الخانة الثانية، وبالتالي، فالبيئة فيها معرضة لتأثيرات الفقر والأمية.
إن التنمية في العالم الإسلامي بطيئة ومفعولها محدود في الزمان والمكان، ولا تستطيع سدَّ حتى الحاجات الأولية لشعوبه ولا سيما من الطاقة والغذاء.
أمام هذا الوضع، فإن الجماعات البشرية وخصوصاً في الوسط القروي تتجه إلى البيئة الطبيعية لمحاولة سد هذه الحاجات. غير أن هذا التصرف غالباً ما يكون خاطئاً وغير ملائم لتوازن النظم البيئية الهشة، ويؤدي إلى تخريب الأوساط من جراء :
ـ حرائق الأدغال،
ـ استصلاح الأراضي،
ـ اجتثاث الغابات،
ـ الرعي المفرط،
ـ التعرية،
ـ التصحر،
ـ إنهاك التربة من جراء ممارسة نوع واحد من الزراعة واستغلال الأراضي الهامشية، الخ.
كل هذه المشكلات تزيد حدة وخطورة عندما تتزامن مع ظروف مناخية سيئة ومع كون بعض دول العالم الإسلامي تبنت من أجل تصنيعها نماذج أبانت عن فشلها في بلدان أخرى. حينذاك، تضاف إلى المشكلات التي تعاني منها مشكلات عانت منها دول الشمال نفسها. عندها، تصبح البيئة عرضة ليس فقط لضغوط الجماعات البشرية ولكن كذلك لضغوط وتأثيرات ناتجة عن أنماط تنمية أعادت الأخطاء التي وقعت فيها الدول المصنعة منذ سنوات.
وفضلاً عن ذلك ونظراً لارتباط تدهور البيئة بالنمو الديموغرافي، فإن أكبر نسب لنمو السكان تسجل في العالم الإسلامي.
1.4.2. البيئة والتنمية أمام الاستغلال المفرط للثروات :
أضف إلى هذا أن تخريب البيئة ليس مقتصراً على السكان المحليين في هذه الدول. إن التنمية المفرطة وأنماط العيش المترتبة عنها في الدول المصنعة تسيء هي الأخرى للبيئة في العالم الإسلامي. وعلى سبيل المثال، فإذا كانت الغابات الاستوائية توجد في بعض دول العالم الإسلامي، فإن جزءاً كبيراً من تخريبها تتحمل مسؤوليته الدول المصنعة، حيث أن هذه الأخيرة تكون وراء تحطيم ما لا يقل عن 25 مليون هكتار من هذه الغابات سنوياً، وذلك لسد حاجاتها المترتبة عن أنماط عيشها المبذرة.
إن دول العالم الإسلامي بتصرفها هذا ظنت وتظن أنها تسدي خدمة لاقتصادها الوطني بينما هي في الحقيقة تنهك ثروتها الوطنية الضرورية لعيش وبقاء الأجيال الحاضرة والمقبلة. والدليل على ذلك أن الميزان التجاري لهذه البلدان غالباً ما يشكو من العجز، وعائداتها من العملة الصعبة الآتية من التصدير تبقى عديمة الجدوى أمام ديونها الخيالية.
إن البيئة في العالم الإسلامي ليست في نهاية المطاف ضحية للتصرف المحتوم للجماعات البشرية المحلية بل إنها في نفس الوقت تعاني بصفة غير مباشرة من التأثير الناتج عن تنمية غير مراقبة تبنتها الدول الغنية المتعطشة للموارد الأولية التي تنتجها دون غيرها الدول النامية بما فيها دول العالم الإسلامي.
وبعبارة أخرى، إن البيئة في الدول الإسلامية تعاني من ويلات التأخر في عين المكان ومن تأثيرات التنمية في العالم المتقدم. في عين المكان، يعد الفقر والأمية والجهل والأحوال الاقتصادية والبيئية والنمو الديمغرافي من أهم أعداء البيئة، بينما عن بعد تأتي الهيمنة الاقتصادية للدول الغنية التي غالباً ما تملي على الدول الفقيرة بكيفية غير معلنة طريقة استغلال بيئتها.
1.4.3. تهميش البيئة :
إن سكان الدول الإسلامية غالباً ما يذهبون ضحية معلومات خاطئة حول البيئة، مفادها أن هذه البيئة ليست لها مشكلات أو تكاد، وأنه لا داعي للانشغال بها في الوقت الراهن. إن هذه المعلومات والإشاعات التي هي بالطبع غير مبنية على أساس، تعد من الخطورة بمكان بحكم التصديق الذي تحاط به، وبالتالي، تحدث عند الأشخاص الذين يصدقونها حالة لامبالاة تسيء للبيئة وتهمشها إن عاجلاً أو آجلاً. وإذا تمكنت هذه المعلومات الخاطئة من التأثير على جزء لا يستهان به من السكان، فذلك ليس راجعاً لمجرد الصدفة. فتأثيرها على الأشخاص يمكن تفسيره ولو جزئياً من خلال العوامل التالية :
ـ مستوى التثقيف في الدول الإسلامية، حيث نسبة السكان الأميين تتعدى في بعض الحالات 50%،
ـ وحتى عند الجزء الآخر من السكان المثقفين، فإن مفهوم البيئة غالباً ما يبقى غامضاً وفي الكثير من الحالات، يتم خلطه بالتلوث والنظافة وغرس الأشجار،
ـ إن المشكلات البيئية غالباً ما تسند أسبابها إلى مجرد التطور الاقتصادي والصناعي مع العلم أن التخلف، كما سبق الذكر، له كذلك تأثير على البيئة في العالم الإسلامي،
ـ بالنسبة للعديد من السكان الأميين، إن مفهوم "المشكلة البيئية" لا يعني أي شيء على الإطلاق. واعتباراً لهذا الاعتقاد، فإن أي شيء يصيبهم في حياتهم اليومية، بدلاً من أن يدرك كانعكاس سلبي لسوء تدبير البيئة، فإنه يعزى للقدر المحتوم،
ـ إن بعض المشكلات البيئية رغم وجودها لا تكشف عن آثارها السلبية إلا بعد مرور وقت طويل، الشيء الذي يجعل بعض الأشخاص يرفضون كل النداءات الهادفة إلى حماية البيئة بل أكثر من هذا، يعدون هذه النداءات ناتجة عن مجرد تهويل وتضخيم للأحداث.
ـ إن انعدام معايير بيئية في العديد من البلدان الإسلامية وعدم مراقبتها باستمرار في حالة وجودها، يكون بمثابة حافز يزيد من اللامبالاة التي يكنها كثير من الأشخاص للبيئة،
ـ كما أن انعدام تشريع بيئي شمولي يساهم هو الآخر في الحفاظ على هذه اللامبالاة وحتى لو وجد هذا التشريع، فإنه غالباً ما يكون متجاوزاً ولا يستجيب للأوضاع الراهنة والتطور الذي عرفته دول العالم الإسلامي على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.
1.5. البيئة والتنمية في العالم الإسلامي : التحديات :
إذا كانت البيئة في دول العالم الإسلامي تعاني من تحديات داخلية كبرى متمثلة في مواجهة الفقر والأمية، فإن أمامها تحديات أخرى لاتقل أهمية تتمثل أولاً في ضرورة الرفع من مستوى التنمية البشرية لتحسين جودة حياة السكان، وثانياً في مواجهة المشكلات البيئية الكبرى ذات الطابع الكوني، كالتغيرات المناخية وتراجع التنوع البيولوجي إلى غير ذلك، وثالثاً في مواجهة العولمة التي تتطلب تحرير الاقتصاد وإزالة الحواجز الجمركية.
1.5.1. التنمية البشرية :
إن التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول العالم الإسلامي لم تبلغ بعد المستوى المطلوب التي من شأنها أن تضمن لسكان هذه البلدان ظروف عيش لائقة تجعل منهم مواطنين مساهمين بكيفية فعالة في تحقيق هذه التنمية.
فعلى هذه الدول بذل المزيد من الجهود في مجال الخدمات الاجتماعية من توفير للغذاء والسكن وتزويد بالماء والطاقة وتوفير للخدمات الصحية والتربوية ولفرص الشغل والتخلص من الفضلات إلى غير ذلك. كما على هذه الدول أن تقوي بنياتها التحتية ومؤسساتها الاقتصادية لتستجيب لطموحات السكان ولتعزز مكانتها بين مصاف الدول النامية والمتقدمة.
إن تلبية هذه الحاجات كيفما كان نوعها لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال استغلال ما تختزنه البيئة من موارد طبيعية، الشيء الذي سيزيد من حدة الضغوط الممارسة على البيئة، وبالتالي الزيادة في حدة المشكلات البيئية.
1.5.2. المشكلات البيئية الكبرى :
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، إن المشكلات البيئية ليست لها حدود، الشيء الذي يعني أن البعض من هذه الأخيرة لها انعكاسات مباشرة أو غير مباشرة على جميع الدول بدون استثناء. ولعل أعظم هذه المشكلات انعكاساً على البيئة والتنمية، التغييرات المناخية وتراجع التنوع البيولوجي والتصحر. والدليل على ذلك، مبادرة الأمم المتحدة إلى إعداد اتفاقيات دولية حول هذه المشكلات ودعوة الدول الأعضاء إلى المصادقة عليها والالتزام بتطبيق بنودها.
وإذا أخذنا كمثال التغييرات المناخية، فإن الدول المصنعة هي التي تتحمل أكبر قسط من المسؤولية في حدوث هذه التغييرات من جراء صناعاتها الضخمة التي بإفرازاتها المختلفة تحدث خللاً في توازن الجو الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع في معدل حرارة الكرة الأرضية. غير أن الدول النامية ومن ضمنها دول العالم الإسلامي وخصوصاً منها الإفريقية هي التي ستكون أكثر عرضة لعواقب التغييرات المناخية لعدم توفرها على الإمكانات والوسائل على المستوى الوقائي والمستوى العلاجي معاً. ولعل أكبر ضرر ناتج عن التغييرات المناخية ذلك الذي له علاقة باختلال الدورات المائية، مما نتج عنه وينتج عنه في العالم الإسلامي على الخصوص شح في توفير المياه للشرب والصناعة والفلاحة، وللأنشطة الاقتصادية بصفة عامة.
ومن جهة أخرى، إن الدول الإسلامية تعد من أكبر الدول تضرراً من التراجع البيولوجي والتصحر حيث تنعكس هذه الظواهر سلباً على السكان وعلى البيئة والاقتصاد. فالتنوع البيولوجي، إضافة إلى كونه عاملاً أساساً وحاسماً في استمرار التوازنات البيئية، يعد كذلك من أهم مصادر إنعاش التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وخير مثال يمكن سوقه في هذا الصدد، التراجع الذي تعرفه الثروات السمكية والغابوية. أما التصحر، فهو كذلك عامل من عوامل التأثير السلبي على الاقتصاد، حيث يقصي من الاستغلال مساحات شاسعة من الأراضي كان من الممكن استعمالها لأغراض تنموية في مجال الزراعة والسياحة والبنيات التحتية.
ورغم كل هذه السلبيات، فإن دول العالم الإسلامي، بحكم ضعف اقتصادها، وبحكم انتمائها إلى النظام الدولي، ليس لها مناص من الانخراط في هذه الاتفاقيات رافعة بذلك مستوى التحديات التي تواجهها فيما يتعلق بحسن تدبير البيئة وبالتوفيق بين هذه الأخيرة والتنمية.
1.5.3. عولمة الاقتصاد :
بالإضافة إلى تحرير الاقتصاد ورفع الحواجز الجمركية، فإن العولمة سيكون لها انعكاس على المستوى البيئي بالنسبة لجميع دول العالم. ويتمثل هذا الانعكاس أساساً في احترام مقاييس ومعايير جودة المنتوجات الصناعية التي سيتم تصديرها من بلد لآخر.
ولعل أبرز المقاييس التي يجب حتماً أن تحترم في المبادلات التجارية بين الدول تلك التي لها علاقة بالبيئة. وهذا يعني أن أي منتوج قابل للتصدير يجب أن تتوفر فيه شروط تبين أنه صنع حسب أساليب تأخذ بعين الاعتبار جودة المنتوج نفسه وجودة البيئة.
ولن يتأتى هذا إلا إذا توفرت لدى الدول الإسلامية تكنولوجيات حديثة تحترم البيئة. وهو ما أصبح يتعارف عليه حاليا بالتكنولوجيات النظيفة التي تستلزم استثمارات هائلة.
العالم الإسلامي وتطلعات المستقبل، التنمية المستدامة
أمام هذه التحديات الكبرى التي يواجهها أو سيواجهها العالم الإسلامي في مجال التوفيق بين البيئة والتنمية، من المرغوب فيه أن ينخرط هذا الأخير في التيار الدولي الذي بدأت بوادره في الظهور سنة 1987 مباشرة بعد صدور التقرير(1) الذي أنجزته اللجنة العالمية حول البيئة والتنمية وتكرس بعد مؤتمر ريو سنة 1992 حيث أوصى المنتظم الدولي بتبني ما اصطلح عليه بالتنمية المستدامة التي تقضي بإعادة النظر في أساليب التنمية اللامحدودة التي يعتمد عليها الاقتصاد المعاصر والتي تنهك البيئة وتؤثر سلباً على مصادر الحياة فيها.
وحينما نتحدث عن التنمية المستدامة، فالأمر يتعلق بالتعامل مع البيئة من زاوية تضمن في آن واحد حاجات الأجيال الحاضرة والأجيال القادمة من خلال المحافظة على مصادر الحياة والموارد الطبيعية.
وبعبارة أخرى، إن التنمية المستديمة تسعى إلى ضمان جودة الحياة بصفة عامة للأفراد والجماعات من خلال التنمية الاقتصادية، ولكن دون إلحاق أضرار بالبيئة الطبيعية والمشيدة.
انطلاقاً من هذه الاعتبارات، فإن التنمية المستدامة تستدعي إعادة النظر ليس فقط في مفهوم التنمية ولكن كذلك في مفهوم البيئة التي يجب أن تعتبر، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، ككل غير قابل للتجزيء تترتب عنه تغييرات في نوعية العلاقات التي يقيمها الإنسان مع البيئة ومع مواردها.
إن هذه التغييرات تعتبر تحدياً في حد ذاتها لأنها قبل أن تكون تغييرات على مستوى الممارسات والتصرفات، فهي أولاً وقبل كل شيء تغييرات على مستوى الفكر والمواقف والقيم.
إن العالم الإسلامي مطالب بأن يرفع هذا التحدي لأن الأمر يتعلق بإعادة النظر في نظام القيم الذي بنت عليه العديد من المجتمعات نمط تنميتها وإنتاجها واستهلاكها وعيشها. وبعبارة أخرى إن الأمر يتعلق بإصلاح النظام الاجتماعي والثقافي بأكمله، حيث أن هذا الإصلاح لا يمكن أن يتحقق إلا إذا بادر الإنسان المسلم بإعادة النظر في العلاقات التي يقيمها مع البيئة.
إن مفهوم التنمية المستدامة يحمل في طياته فلسفة هدفها الأساس هو ملء الهوة التي ما فتئت تتسع بين الإنسان والبيئة، الشيء الذي يقود هذا الإنسان إلى التعايش مع هذه البيئة قلباً وقالباً.
إن هذه الثورة الفكرية والأخلاقية والسلوكية ليست عزيزة على دول العالم الإسلامي مادامت هذه البلدان لها من المؤهلات والمبادئ ما يجعلها قادرة على القيام بهذه المهمة.
بالفعل، إن الدين الإسلامي أعطى للبيئة ولمواردها ولاستعمال هذه الموارد واستغلالها وللتوازنات البيئية وللتنوع البيولوجي، إلخ، أهمية كبيرة وخصوصاً من خلال العديد من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد هو أن جل المفاهيم البيئية المعاصرة الكبرى تم التطرق لها بكيفية أو بأخرى من خلال الآيات القرآنية، نذكر منها على سبيل المثال :
ـ مفهوم شمولية البيئة
ـ مفهوم التوازن
ـ مفهوم محدودية الموارد
ـ مفهوم تنوع الحياة
ـ مفهوم الغائية
ـ مفهوم حماية البيئة
التعاليم الإسلاميـة والقضايـا البيئية المعاصرة
3.1. مفهوم شمولية البيئة :
لقد ظهر هذا المفهوم إلى الوجود في الستينات متزامناً مع ظهور مفهوم البيئة نفسه. ويعد مفهوم الشمولية إفرازاً للأزمة البيئية التي يعاني منها العالم المعاصر الذي اعتبرت فيه البيئة ولا تزال مجموعة من المكونات القابلة للاستغلال إرضاء لرغبات الإنسان المحضة.
حينما نتحدث عن الشمولية، فالأمر يتعلق بتصور يجعل من البيئة وحدة متكاملة أو كلاً تكون مكوناته مرتبطة فيما بينها ارتباطاً وثيقاً حسب نظام من العلاقات المتبادلة يكون فيها بقاء كل كائن حياً كان أم غير حي، مرتبطاً بباقي المكونات الأخرى. وبعبارة أخرى، فإن الشمولية تعني أن الكل يستمد بقاءه من الجزء وهذا الأخير يستمد بقاءه من الكل.
لقد أصبح اليوم مفهوم الشمولية من الناحية النظرية مفهوماً متداولاً في الأوساط العلمية والبيئية. وللتذكير، فإن الاقتراحات التي تقدم بها المفكرون والفلاسفة لصياغة نظرة جديدة للبيئة مبنية كلها على مفهوم الشمولية.
وإذا كان هذا الأخير يعد جديداً بالنسبة للإنسان، فإن هذه الجدة تنطبق على الإنسان فقط.
إن القرآن الكريم أشار إلى هذا المفهوم من خلال آيات كثيرة تتحدث عن وحدة الكون. فحينما يتحدث الحق سبحانه وتعالى عن هذا الكون، فإن ذلك يتم من خلال الإشارة إلى المكونات الكبرى، أي الأرض والسماء والماء التي تعتبر حسب علم البيئة الحديث نظماً بيئية ضخمة يتألف منها ما يسمى بالمحيط الحيوي. وفضلاً عن ذلك، فإن العديد من الآيات القرآنية تربط دائما الأرض بالسماء بينما أخرى تشير إلى ما بينهما. فإن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن مفهوم الشمولية وارد في القرآن الكريم وهو الشيء الذي توصل إليه العلم في السنين الأخيرة حينما اعتبر الكوكب الأرضي وما يحيط به من أجواء بمثابة نظام بيئي متكامل غير قابل للتجزيء. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن بعض العلماء ذهبوا إلى حد تشبيه الكرة الأرضية مع محيطها الجوي بكائن حي لإبراز أهمية الترابط و التفاعل القائمين بين مكونات البيئة.
إن الآيات القرآنية التي تشير بكيفية أو بأخرى لمفهوم شمولية البيئة كثيرة، منها على سبيل المثال تلك التي يتم فيها الربط بين الأرض والسماء، وأحياناً بين هذين العنصرين والماء.
يقول الحق سبحانه وتعالى :
{ الذي جعل لكم الأرضَ فِراشاً والسماءَ بناءًً وأنزل من السماء ماءًً فأخرج به من الثمراتِ رزقاًً لكم } (سورة البقرة : الآية 22).
{ هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهُنَّ سبعَ سمواتٍ وهو بكل شيء عليم } (سورة البقرة : الآية 29).
{ بَديع السماواتِ والأرضِ وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون } (سورة البقرة : الآية 117).
{ إن في خلق السمواتِ والأرضِ واختلافِ الليلِ والنهارِ والفلكِ التي تجري في البحر بما ينفعُ الناسَ وما أنزل الله من السماء من ماءٍٍ فأحْيا به الأرضَ بعد موتِها وبثَّ فيها من كل دابةٍٍ وتصريفِ الرياحِ والسحابِ المسخَّر بين السماءِ والأرضِ لآيات لقومٍٍ يعقِلون } (سورة البقرة: الآية 164).
{ وَسِعَ كُرسِيُهُ السمواتِ والأرضَ ولا يؤُدُه حِفْظُهما وهو العلِيُّ العظيم } (سورة البقرة : الآية 255).
{ وللـه مُلْـكُ السمـاواتِ والأرضِ والله على كل شيء قدير } (سورة آل عمران : الآية 189)
{ ولله مُلك السماواتِ والأرضِ وما بينهما يخلُقُ ما يشاء والله على كل شيء قدير } (سورة المائدة : الآية 17).
{ الله الذي خَلَقَ السمواتِ والأرضَ وأنزل من السماءِ ماءًً فأخرجَ به من الثمرات رزقاً لكم } (سورة إبراهيم : الآية 32).
{ تُسبِِِِِِِِّحُ له السمواتُ السَّبعُ والأرضُ ومن فيهنَّ وإن من شيء إلا يسبح بحَمدِه ولكن لا تَفْقَهونَ تَسبيحَهم إنه كان حَليماً غفوراً } (سورة الإسراء : الآية 44).
{ لهُ ما في السمواتِ وما في الأرضِ وما بينهما وما تحت الثرى } (سورة طه : الآية 6).
{ وما خلقنا السماءَ والأرضَ وما بينهما لاعبِِِين } (سورة الأنبياء : الآية 16).
{ ألمْ تَرَ أن الله يُسبِّحُ له من في السمواتِ والأرضِ والطيرُ صافاتٍٍ كلٌّ قد عَلِمَ صلاتَه وتسبيحَه والله علِيمٌٌ بما يفعَلون } (سورة النور : الآية 41).
{ ألم تروا أن الله سخَّرَ لكم ما في السمواتِ وما في الأرضِ وأسْبَغَ عليكم نِعَمَهُ ظاهرةً وباطنة } (سورة لقمان : الآية 20).
{عالم الغيب لايَعْزُبُ عنه مِثْقَالُ ذَرَّةٍ في السمواتِ ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك و لا أكبر إلا في كتاب مبين} (سورة سبإ : الآية 3).
إن مفهوم شمولية البيئة لا يمكن أن يدرك إلا إذا شكلت هذه البيئة وحدة أو كلاً متكاملاً. وهذه الوحدة لا يمكن أن تتحقق إلا إذا ساد بين مختلف مكوناتها ترابط وتناسق. هذا هو ما يشير إليه القرآن الكريم من خلال الآيات التي تظهر السماء والأرض والماء كعناصر مترابطة فيما بينها.
ويكفي أن نتمعن في بعض الآيات سالفة الذكر لندرك أن مفهوم الشمولية وارد في القرآن الكريم حينما يقول الحق سبحانه وتعالى في الآية 117 من سورة البقرة :
{ بديع السموات والأرض }، أي خالق السموات والأرض غير أن هذا الخلق ليس عشوائياً بل يتم حسب نظام معين.
ونفس الشيء يمكن إدراكه من خلال الآية 44 من سورة الإسراء حين يقول الله سبحانه وتعالى :
{ تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن }. والمقصود بالتسبيح هنا هو السجود والخضوع والانحناء أمام الخالق، الشيء الذي يمكن تفسيره من الناحية البيئية بنظام الترابط الذي يجمع بين جميع الكائنات من أجل استمرار الحياة التي هي من خلق الله.
ونـفس الـشيء يمـكن إدراكـه كـذلك مـن خـلال الآيـة 16 مـن سورة الأنبياء حيـن يقـول سبحانه وتعالى : { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين }. والمقصود في هذه الآية هو أن الخلق له غايات معينة وهو الشيء الذي تشير إليه الآية 27 من سـورة ص حيـن قـال الحـق سبـحانه وتـعالى : { و ما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } أو حين يقول في الآية 5 من سورة الزمر { خلق السموات والأرض بالحق }. ومن الآيات التي تشير إلى شمولية البيئة الآية التي يقول فيها سبحانه عز وجل :
{ والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولائك لهم اللَّعنة ولهم سوءُ الدار } (سورة الرعد : الآية 25).
إن هذه الآية تنطبق على الفكر البيئي المعاصر الذي جزأ البيئة، وبالتالي، قطع الأوصال التي تربط بين مكوناتها، الشيء الذي أدى إلى ظهور اختلالات في نظام الترابط الذي يشكل أساساً لاستمرار وبقاء الحياة. وخير مثال يمكن سوقه في هذا الصدد يتعلق بالاختلالات التي يحدثها التلوث في الأوساط الطبيعية. إن التلوث إذا تجاوز حداً معيناً، يكسر التوازن القائم بين مكونات هذه الأوساط ويؤدي على طول المدى إلى موت هذه الأوساط وانقراض الحياة منها. وهذا هو ما يحدث في الأنهار والبحار التي تلقى فيها النفايات المنزلية والصناعية وكذلك في المساحات الخضراء المعرضة للأمطار الحمضية.
ألم يقل سبحانه وتعالى :
{ ظَهَرَ الفسادُ في البرِّ والبحرِ بما كَسَبَتْ أيدي الناسِ ليُذيقَهم بعض الذي عمِلوا لعلهم يرجعون } (سورة الروم : الآية 41).
وكيفما كان الحال، إن مفهوم شمولية البيئة الذي جاء به المفكرون في مقترحاتهم لتغيير نظرة الإنسان المعاصر للبيئة ليس في الحقيقة مفهوماً جديداً. كل ما يمكن قوله هو أن الإنسان يسعى من جديد للعودة إلى الصواب الذي نص عليه القرآن الكريم منذ عدة قرون والذي يقتضي أن تنطلق كل تصرفات البشر من مفهوم شمولية البيئة حفاظاً على وحدة هذه الأخيرة وبقاء الحياة فيها.
3.2. مفهوم التوازن :
إن مفهوم التوازن يشكل واحدة من الركائز التي بني عليها علم البيئة الحديث. والتوازن لا يجب أن يدرك كوضع سكوني قار ومستقر يسود داخل النظم البيئية. فحينما يتم الحديث عن التوازن البيئي، فالأمر يتعلق بوضع حركي مستمر ناتج عن ما يقوم من علاقات وتفاعلات بين مكونات النظام البيئي. فلا سبيل إذن للحديث عن النظام البيئي بدون توازن. فالنظام البيئي المتوازن هو ذلك الجزء من البيئة الذي تسود بين مكوناته علاقات متبادلة متناسقة ومتكافئة تتجدد باستمرار وتؤدي في نهاية المطاف إلى استمرار الحياة وبقائها. وهكذا، فحينما يكون النظام البيئي متوازناً، فهذا يعني أن لديه قدرة ذاتية على التنظيم تكون ناتجة عن الحركة الذاتية التي تشترك فيها كل مكوناته من تربة وهواء وماء وحيوانات ونباتات بمختلف أشكالها وأنواعها. وبعبارة أخرى، فإن كل كائن حياً كان أم غير حي يقوم بعمل لصالحه ولكنه في نفس الوقت يكون عنصراً أو حلقة في سلسلة الأعمال التي تقوم بها الكائنات الأخرى.
فإذا كان بإمكاننا الحديث عن عدة أنواع من النظم البيئية البرية منها والبحرية والجوية والمائية والغابوية والقطبية والصحراوية والجبلية، الخ، فإن هذه النظم في الحقيقة ليست لها حدود، وبالتالي، فهي مرتبطة فيما بينها لتشكل نظاماً بيئياً واحداً يتشكل من الكرة الأرضية بأكملها بما يحيط بها من أجواء وما يو جد فيها وفوقها من ماء وما يبرز منها من قارات وما يترعرع فيها جواً وبراً وماء من حياة نباتاً كانت أم حيواناً بما في ذلك الإنسان.
ولهذا، فالتوازن البيئي الشامل هو الذي أدخل عليه الإنسان، من جراء فصل نفسه عن البيئة وطموحه للسيطرة عليها، تغييرات كبرى أدت إلى ظهور مشكلات بيئية واسعة النطاق طالت تأثيراتها جميع المحيطات والقارات وأسافل وأعالي الأجواء. إن الإنسان من جراء نظرته الأنانية للبيئة أساء لخاصيات التوازن والتناسق والتناغم التي أسس عليها الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون. بالفعل، لقد أشار الحق سبحانه وتعالى للتوازن في العديد من آيات القرآن الكريم نذكر منها على سبيل المثال :
{ كُلُـوا واشـرَبوا مـن رزق اللـه و لا تَعْثَوا في الأرض مُفسِدين } (سورة البقرة : الآية 60).
{ ويَسْعَون في الأرضِ فساداً والله لا يحب المفسدين } (سورة المائدة : الآية 64).
{ ولا تُفْسِدوا في الأرضِ بعد إصْلاحِها وادْعوهُ خَوفا وطَمَعاً إن رحمتَ الله قريبٌ من المحْسنِين } (سورة الأعراف : الآية 56).
{ قد جاءتْكُم بَيِّنَةٌ من رَبِّكُم فأوفوا الكَيْلَ والميزانَ ولا تَبْخَسوا الناسَ أشْيَاءَهم ولا تُفسِدوا في الأرضِ بعد إصْلاحها ذلكم خيرٌ لكم إِن كنتم مِؤمنين } (سورة الأعراف : الآية 85).
{ ويا قومِ أوْفوا المِيكال والميزانَ بالقِسط ولا تَبْخَسوا الناسَ أشياءَهم ولاتَعْثَوا في الأرض مُفْسِدين } ( سورة هود : الآية 85).
{ الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار } (سورة الرعد : الآية Cool.
{ والأرضَ مدَدْنَاها وأَلْقَيْنَا فيها َرَواسِي وأنْبَتْنَا فيها من كلِّ شيءٍ موزونٍ } (سورة الحجر : الآية 19).
{ الذي له ملك السمواتِ والأرضِ ولم َيتَّخِذْ وَلَدا ولم يَكُنْ له شَريك في الملك وخَلَقَ كل شيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْديراً } (سورة الفرقان : الآية 2).
{ الشمسُ والقمرُ بحُسْبان والنجمُ والشجرُ يَسْجُدان والسَّمَاَء رَفَعَها وَوضَعَ الميزَانَ ألاَّ تَطـْغَوْا فـي الميـزانِ وأقيمـوا الوَزْنَ بالقِسْطِ ولا تُخْسِروا الميزانَ } (سورة الرحمن : الآيات 8-5).
{ سَبِّح اسم رَبِّكَ الأعْلى الذي خَلَقَ فَسَوَّى والذي قدَّرَ فَهَدَى } (سورة الأعلى : الآيات 3-1).
إن الآيات سالفة الذكر تشير كلها بطريقة أو بأخرى إلى مفهوم التوازن الذي كما أسلفنا تأسس عليه علم البيئة الحديث. وهكذا تمت الإشارة لهذا التوازن في القرآن الكريم عن طريق مفاهيم :
ـ الفساد
ـ الإصلاح
ـ الميزان
ـ المقدار
ـ التقدير
ـ الحسبان
ـ التسوية
إن الله لا يحب الفساد في كل شيء. والفساد بمعناه البيئي، أي الاضطراب والاختلال والتخريب وعدم التناسق، يمكن أن يكون ناتجاً عن التلوث والاستغلال المفرط وغير العقلاني للموارد واقتحام وغزو الأوساط الطبيعية. وبعبارة أخرى، إن الفساد ينتج عن التغييرات التي يدخلها الإنسان بدون حسبان على نظام الترابط الذي يضمن الحياة داخل المحيط البيئي. أما الإصلاح، فيمكن ربطه بمفهوم التنظيم الذاتي الذي يضمن استمرار التوازن داخل النظم البيئية. وهذا يعني أن الله سبحانه وتعالى وفر للبيئة كل الظروف التي تمكنها من إصلاح نفسها كلما أدخلت عليها تغييرات ولكن في حدود معينة. ولهذا، فإن الله يوصي عباده بأن لا يفسدوا في الأرض خصوصاً وأن بث الفساد أسهل بكثير من القيام بالإصلاح.
أما مفاهيم الميزان والمقدار والتقدير والحسبان والتسوية فإنها تشير إلى أن الله سبحانه وتعالى نظم الأمور ونسقها عند خلق هذا الكون. وعندما يتعلق الأمر بالتنظيم والتنسيق والترتيب. فهذا معناه أن كل شيء يحسب له حسابه. وبعبارة أخرى، فإن الأشياء لا يمكن أن تكون منظمة ومتناسقة إلا إذا قامت بينها عـلاقات مـتوازنة تكون ضامناً للنظام والتناسق. فحينما يقول الحق سبحانه وتعالى : { وأنبتنا فيها من كل شيء موزون } (سورة الحجر : الآية 19)، فهذا يعني أن الله وفر في الأرض الظروف الملائمة لنمو العديد من أنواع النباتات المختلفة.
ومن المعروف حالياً في علم البيئة النباتي أن النباتات لا يمكن أن تتعايش في الوسط الواحد إلا إذا قام من جهة توازن فيما بينها، ومن جهة أخرى بينها وبين الظروف المادية للوسط الذي تنبت فيه. فعندما يختل هذا التوازن، فقد يطغى نوع من هذه النباتات على الأنواع الأخرى، الشيء الذي يؤدي إلى تقليص عدد هذه الأخيرة وأحياناً إلى اختفائها. وهذا هو ما يحدث عندما يتدخل الإنسان في الأوساط الطبيعية ويستغل مواردها بكيفية غير عقلانية. والنتيجة هي اختلال التوازنات الذي يؤدي إلى طغيان مكونات بيئية وتراجع واندثار مكونات أخرى.
وخير مثال يمكن سياقه في هذا الصدد هو استعمال مختلف المبيدات الكيميائية من أجل تحسين الإنتاجية الزراعية. ولا سبيل هنا لذكر الأضرار التي ألحقتها هذه المبيدات بالتوازنات الطبيعية. ولا سبيل للذكر أنه بذلت محاولات ولا تزال تبذل من أجل تجاوز هذا الوضع الذي يشكل تهديداً للتوازنات البيئية. من بين هذه المحاولات، اللجوء إلى ما يسمى بالمكافحة البيولوجية التي تستعمل فيها وسائل طبيعية لخلق توازن بين ما يسمى بالنباتات والحشرات المضرة وبين النباتات المزروعة. وجدير بالذكر أن اللجوء إلى المكافحة البيولوجية هو محاولة من الإنسان للرجوع إلى الفطرة، أي الوضع الطبيعي الذي وجدت فيه الأرض عندما خـلقها اللـه سـبحانه وتعالى. وهذه هي الفطرة التي أشار إليها عز وجل حينما يقـول : { وخلق كل شيء فقدره تقديـراً } (سورة الفرقان : الآية 2) أو { الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى } (سورة الأعلى : الآيتان 3-2).
وفي هذا الصد، لابد من الإشارة إلى أن العديد من التيارات الفكرية والحركات البيئية وبالخصوص في الدول المصنعة حيث الإنسان ألحق أضراراً كبيرة بالطبيعة، تنادي بالرجوع إلى الطبيعة الذي معناه الرجوع إلى الفطرة. وقد عبر الناس عن هذا الرجوع بطرق عديدة منها الزهد في الاستهلاك، وبالخصوص بممارسة ما يسمى بالزراعة البيولوجية التي تعتمد على التربة والشمس والماء والعمل اليدوي.
إن مفهوم التوازن الذي أقره علم البيئة الحديث سواء على مستوى النظم البيئية الصغيرة أو على المستوى البيئي الشمولي واحد من المفاهيم البيئية التي وردت في القرآن الكريم منذ عدة قرون. إن الله سبحانه وتعالى خلق الكون موزوناً ومتوازناً وهو الذي يقول :
{ أَلَمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ له مَنْ في السمواتِ ومَنْ في الأرضِ والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدوابُ وكثيرٌٌٌ من الناس } (سورة الحج : الآية 18).
إن سجود الكائنات للحق سبحانه وتعالى إن دل على شيء إنما يدل على وحدة الكون التي يحفظ توازنها خالق مدبر واحد.
3.3. مفهوم محدودية الموارد :
منذ أن دخل العالم عصر الصناعة خلال القرن التاسع عشر الذي اقترن أوله باختراع الآلة البخارية وآخره باكتشاف الكهرباء والنفط ثم باختراع المحرك الانفجاري، بدأ في نفس الوقت التهافت على الموارد الطبيعية وخصوصاً في البلدان الغربية التي كانت تتنافس فيما بينها أولاً للرفع من مستوى إنتاجها واستهلاكها، وثانياً لغزو الأسواق الخارجية بمنتوجاتها الصناعية. وقد أدت هذه الاختراعات والاكتشافات إلى ازدهار العديد من الصناعات وعلى رأسها صناعة الحديد والصناعة الكيميائية. وقد أدت صناعة الحديد على الخصوص إلى اختراع العديد من وسائل النقل والآلات وخاصة تلك التي تستعمل في المجال الفلاحي وفي قطاع استخراج واستغلال المعادن. أما الصناعة الكيميائية فقد ساهمت هي الأخرى بقسط وافر في ازدهار الفلاحة بما وفرته لهذه الأخيرة من أسمدة ومبيدات مكنت المزارعين من الحصول على مردوديات عالية في الإنتاج.
وبصفة عامة، إن القرن التاسع عشر اقترن بظهور مجموعة من الأنشطة الاقتصادية الواسعة النطاق المبنية على استغلال ثروات الأرض ومصادر الطاقة وتحويل المواد الأولية إلى منتوجات مصنعة. ولا سبيل للذكر أن أهم الصناعات التي يرتكز عليها الاقتصاد العالمي اليوم نشأت في تلك الفترة نذكر من بينها على سبيل المثال :
ـ الصناعة الثقيلة التي تحول المواد الأولية المعدنية إلى فليزات تستعمل في عدة أنواع أخرى من الصناعات،
ـ الصناعة الخفيفة التي تحول ما أنتجته الصناعة الثقيلة إلى منتوجات مصنعة،
ـ الصناعة الغذائية التي تصنع وتهيئ الأغذية،
ـ الصناعة الميكانيكية التي تنتج الآلات والمعدات المستعملة في مجالات الصناعة والفلاحة والنقل، الخ.
وجدير بالذكر أن ازدهار الصناعة خلال القرن التاسع عشر في العالم الغربي كان مبنياً على تنافس شديد بين الدول التي كانت ولا تزال تسعى إلى احتلال المراتب الأولى على الصعيد العالمي، الشيء الذي أدى إلى استغلال مفرط للموارد الطبيعية ليس فقط في البلدان المصنعة ولكن كذلك في ما يسمى حالياً بالدول النامية.
بالفعل، إن ازدهار الصناعة وتطورها كانا في حاجة ماسة للموارد الأولية لضمان نشاطها بكيفية مستمرة. فلا غرابة إذن أن يقترن عصر الصناعة بإقبال بعض الدول الغربية على استعمار إفريقيا وجزء كبير من آسيا من أجل استغلال مواردها الطبيعية.
وكيفما كان الحال، فإن عصر الصناعة كان بداية لاستغلال مفرط وجنوني ومطلق العنان للموارد الطبيعية على الصعيد العالمي. وحتى البلدان التي لم يطلها الاستعمار الغربي، فإن مواردها تستغل بثمن بخس من طرف الدول المصنعة.
إن الموارد الطبيعية كانت تستغل وكأنها غير قابلة للنفاد إذ لا فرق بين ما هو متجدد طبيعياً وبين ما هو غير متجدد. لقد كان هاجس الدول المصنعة هو تحقيق مستوى عالمي من النمو ولو على حساب الطبيعة ومواردها.
ولحسن الحظ، فإن هذا الاستغلال المفرط الذي أدى إلى استنزاف الموارد الطبيعية، وبالتالي، إلى ظهور مشكلات بيئية أثار انتباه العديد من الأوساط في الدول المصنعة التي بادرت إلى عقد أول اجتماع استشاري دولي بمدينة بيرن بسويسرا سنة 1913 حول حماية الطبيعة شارك فيه 19 بلداً. ثم تلا هذا الاجتماع سنة 1923 أول مؤتمر عقد بباريس حول حماية الطبيعة وعوامل تخريب مواردها تلاه مؤتمر ثاني سنة 1932 تم تخصيصه لدراسة تأثير التكنولوجيات الملوثة على الطبيعة. وبعد ذلك، عقدت منظمة اليونسكو بفرنسا سنة 1948 اجتماعاً دولياً تمت فيه مناقشة تأثيرات الأنشطة البشرية على الطبيعة تلاه سنة 1968 مؤتمر نظمته نفس المنظمة بإفريقيا حول الاستعمال العقلاني للموارد الطبيعية حيث ركز المشاركون من جهة على هشاشة الأسس التي تضمن تجدد البعض من هذه الموارد، ومن جهة أخرى على محدودية كمية البعض الآخر. غير أن مفهوم محدودية الموارد لم يبرز إلى الوجود بصفة واضحة إلا بعد نشر تقرير نادي روما سنة 1970 الذي أثار انتباه المجتمع الدولي وخصوصاً في الدول المصنعة إلى ضرورة إدخال تغييرات مهمة على نمط نموها الاقتصادي، الشيء الذي أكدت عليه اللجنة العالمية للبيئة والتنمية بعد صدور تقريرها سنة 1987.
إن مفهوم محدودية الموارد الذي ظهر خلال السبعينات وتأكدت صحته خلال الثمانينات هو الذي أدى إلى ظهور مفهوم التنمية المستدامة التي تقتضي أن يتعامل الإنسان مع البيئة ومع مواردها بكيفية تضمن حاجاته الآنية وحاجات الأجيال المقبلة في نفس الوقت.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ipecs.sudanforums.net
 
دراسات عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الاول لمنظمة الايسيسكو
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الثاني _ منظمة الإيسيسكو
» التنمية الاقتصادية

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ARFS Investment  :: أجتماعية-
انتقل الى: