ARFS Investment
مرحبا بك عزيزنا الزائر نرجو التسجيل معنا
ARFS Investment
مرحبا بك عزيزنا الزائر نرجو التسجيل معنا
ARFS Investment
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

ARFS Investment

إستثمارية - ترويجية - اقتصادية -ثقافية - اجتماعية
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
لن تجد افضل منا استشاراً - وتوجيهاً - ماعليك الا ان تزور موقعنا ستجد المفيد حتماً "مع تحيات ادارة الموقع"

 

 دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الثاني _ منظمة الإيسيسكو

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
Admin
Admin



المساهمات : 96
تاريخ التسجيل : 24/12/2011

دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الثاني _ منظمة الإيسيسكو Empty
مُساهمةموضوع: دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الثاني _ منظمة الإيسيسكو   دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الثاني _ منظمة الإيسيسكو I_icon_minitimeالجمعة أبريل 20, 2012 5:51 pm

مفهوم الغائية :
من أهم المفاهيم التي وردت في المقترحات التي تقدم بها المفكرون لتغيير نظرة الإنسان للبيئة، مفهوم الغائية الذي ينص على أن كل كائن حياً كان أم غير حي هو في الحقيقة مركز غائية، أي بمعنى أن هذا الكائن ينزع إلى تحقيق غاية معينة. في هذه الحالة، فإذا اعتبرت الكائنات مراكز غائية، فهذا يعني أنها تتحول من مجرد كائنات مجهولة تتكون منها البيئة إلى كائنات ذات قيمة ذاتية وجودها له مبرر يتمثل في كونها وسائل تتحقق من خلالها غايات معينة.
وإذا وضعنا مفهوم الغائية في إطار بيئي، فقد يصعب على المرء أن يتصور أن كل كائن من ضمن الكائنات التي تتكون منها البيئة والتي تعد بالملايير (عدد البشر وحدهم أكثر من خمسة ملايير) وجد من أجل أن تتحقق من خلاله غاية معينة. فلا سبيل للاستغراب لأن كل كائنات البيئة كيفما كان نوعها تعد وسائل وقنوات تتحقق من خلالها الكثير من الغايات المختلفة. فإذا اعتبرنا مثلاً بعض الأنواع من الحشرات ومن ضمنها الفراشات والنحل، فسنجد أنها عندما تكون منهمكة في الحصول على قوتها بتنقلها بين الأزهار، فإنها في نفس الوقت تلقح هذه الأزهار بواسطة اللقاح الذي تحمله مختلف أجزاء أجسامها. وهكذا، فإن هذه الكائنات بدون أن تشعر تمكن العديد من النباتات من التكاثر، وبالتالي، من استمرار الحياة. وما يقال عن الحشرات والطيور، يقال كذلك عن بعض الثدييات التي يكسو جسمها وبر أو صوف. فعندما تكون هذه الحيوانات بصدد البحث عن قوتها، فإن بعض الأنواع من البذور وخصوصاً منها الشائكة تلتصق بريشها أو بوبرها أو بصوفها، الشيء الذي يساعد على نقل هذه البذور من مكان لآخر، وبالتالي، تمكينها من الإنبات في وسط بعيد عن الوسط الأم. فكما هو الشأن بالنسبة للحشرات، فإن هذه الحيوانات تساعد هي الأخرى على نقل الحياة من مكان إلى آخر وعلى استمرارها.
وما يقال عن الثدييات، يمكن أن يقال عن بعض الأنواع من الديدان ومنها على الخصوص دودة الأرض التي تعيش داخل التربة التي تتوفر فيها نسبة معينة من الرطوبة. لكي تتغذى هذه الدودة، فإنها تبلع حبات دقيقة من التربة لتأخذ منها بعد عملية الهضم ما هي في حاجة إليه من الغذاء ثم تعيد الباقي إلى التربة. وهكذا، فإن هذه الدودة بعملها هذا أولاً تحرك التربة، وبالتالي، تسهل نفوذ الهواء إليها، وثانياً تغنيها بأملاح معدنية بعد خضوع هذه التربة لعملية الهضم داخل جسمها. وجدير بالذكر أن هذا العمل له نتيجة تتمثل في ازدياد خصوبة التربة وتحسين تهويتها، الشيء الذي يسهل إنبات البذور التي تسقط على التربة أو توضع فيها. إن دودة الأرض كما هو الشأن بالنسبة للحيوانات سابقة الذكر، تساهم في استمرار الحياة.
وما يقال عن الحيوانات، يمكن أن يقال عن النباتات. فبالنسبة مثلاً للنباتات الخضراء، من المعروف أنها تلتقط ضوء الشمس وتأخذ ثاني أكسيد الكربون من الهواء لتصنع المادة العضوية التي بدونها لاوجود للحياة. ومن المعروف أن الحيوانات ليست لها القدرة لصنع المادة العضوية بنفس الطريقة التي تسلكها النباتات الخضراء، وبالتالي، فإن هذه الحيوانات تحصل على المادة العضوية إما بأكل النباتات الخضراء مباشرة وإما بأكل الحيوانات التي تتغذى على النباتات الخضراء. وهكذا، فإن النباتات الخضراء تشكل أساساً لاستمرار الحياة الحيوانية بجميع أشكالها وأنواعها.
غير أن هذا لا يعني أن استمرار الحياة النباتية غير مضمون. بالعكس، إن النباتات الخضراء المزهرة لها عدة وسائل لضمان استمرار حياتها. من بين هذه الوسائل، تجدر الإشارة إلى أن العديد من النباتات لها زهور ذات ألوان زاهية تجذب الحشرات إليها لتتغذى على رحيقها أو على لقاحها الذي يلتصق بأجسامها كما سبق الذكر، وبالتالي، ينقل من نبات لآخر، الشيء الذي يؤدي إلى عملية اللقاح التي تؤدي بدورها فيما بعد إلى ظهور ثمار ثم بذور التي هي الوسيلة التي تستمر بواسطتها الحياة النباتية.
وكيفما كان الحال، فإن الكائنات الحية نباتية كانت أم حيوانية هي عبارة عن أماكن تتحقق من خلالها غايات معينة. وإذا كانت أول غاية يسعى إلى تحقيقها الكائن الحي هي ضمان حياته، فإنه عندما يكون منهمكاً في هذا العمل، يؤدي في نفس الوقت خدمة تكون غايتها هي استمرار الحياة بصفة عامة. وإن اختلفت الوسائل والطرق المؤدية إلى هذه الخدمة، فالغاية واحدة تتمثل في استمرار الحياة.
وما يقال بصفة عامة عن الكائنات الحية، يمكن أن يقال عن الكائنات غير الحية أي الجامدة. إن الأمثلة في هذا الباب كثيرة ومتعددة. فإذا تحدثنا مثلاً عن الماء، فسنجد أنه يشكل ليس فقط غذاء بالنسبة لجميع الكائنات الحية ولكن كذلك وسطاً للحياة وعنصراً لتركيب الأجسام ووسيلة نقل داخل هذه الأجسام وعاملاً لتنظيم درجة الحرارة بها، الخ. وما يقال عن الماء، يقال كذلك عن الهواء الذي تشكل غازاته من أكسجين وهيدروجين وأزوت وثاني أكسيد الكربون، إلخ، غذاء للحيوانات والنباتات. غير أن هذه الغازات تدخل كذلك في تركيب المادتين العضوية والمعدنية اللتين هما أساس الحياة. وفضلاً عن هذا، فإن الهواء يحمل الطيور وتعيش به العديد من الكائنات الحية الدقيقة كما يشكل عاملاً أساساً في استقرار الضغط الذي يمارس على الحيوانات والنباتات التي تحيا فوق سطح الأرض.
وهكذا، فإذا كان الماء والهواء كائنين غير حيين، فإن الغايات التي تتحقق من خلالهما تؤدي إلى تحقيق غاية واحدة ألا وهي استمرار الحياة. وبصفة عامة، فإن الغايات التي تتحقق من خلال الكائنات الحية و غير الحية متعددة، ومتنوعة، ومتداخلة ومرتبطة بعضها ببعض. لكنها رغم تعددها وتنوعها وتداخلها وترابطها تسعى في آخر المطاف إلى غاية نهائية واحدة ألا وهي وحدة الكون وتوازنه واستمرار الحياة به لأداء رسالة العبودية الخالصة لله.
وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم من خلال العديد من الآيات نذكر منها على سبيل المثال :
{ تُسَبِّحُ له السمواتُ السَّبْعُ والأرضُ ومن فِيهِنَّ وإن من شيءٍ إلا يُسَبِّّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لا تفْقَهون تَسْبِيحَهُم إنه كان حليما غَفُورا } (سورة الإسراء : الآية 44).
{ وله مَنْ في السمواتِ والأرضِ ومن عنده لا يَسْتَكْبِرُون عن عِبَادتِه ولا يَسْتَحْسِرُون يُسَبِّحُون الليلَ والنهارَ لا يَفْتَرُون } (سورة الأنبياء : الآيتان 20-19).
{ ألمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ له مَنْ في السمواتِ وَمنْ في الأرضِ والشمسُ والقمرُ والنجومُ والجبالُ والشجرُ والدَّوابُ وكثيرٌ من الناس } (سورة الحج : الآية 18).
{ ألمْ تَرَ أَنَّ الله يُسَبِّحُ له مَنْ في السمواتِ والأرضِ والطيرُ صافاتٍ كُلّ قد عَلِمَ صلاته وَتَسْبِيحَهُ والله عليمٌ بما يفعلون } (سورة النور : الآية 41).
{ يُولِجُ الليل في النهار ويُولِجُ النهارَ في الليلِ وسَخَّرَ الشمسَ والقمرَ كلّ يَجْري لأجلٍ مُسَمَّى } (سورة فاطر : الآية 13).
{ والشمسُ تَجْري لِمُسْتَقَرٍّ لها ذلك تَقْدِيرُ العزيز العليم } (سورة يس : الآية 38).
{ وما خَلَقْنَا السماءَ والأرضَ وما بينهما باطِلا } (سورة ص : الآية 27).
{ والنجمُ والشجرُ يَسْجُدانِ } (سورة الرحمن : الآية 6).
فما هي علاقة هذه الآيات الكريمة بمفهوم الغائية؟ إن هذه العلاقة تشير إليها الآيات التي تتحدث عن التسبيح والسجود. والتسبيح والسجود معناهما هنا طاعة خالق هذا الكون وخضوع كائناته له من خلال ما أنيط بها من مهمات. وقد سبق وأن أشرنا إلى الكائنات الحية عندما تكون منهمكة في البحث والحصول على قوتها، فإنها في نفس الوقت تقوم بمهام تساهم بواسطتها في استمرار الحياة. كما أشرنا كذلك إلى أن هذه المهام رغم تعددها وتنوعها، فإنها تؤدي في نهاية المطاف إلى استمرار وحدة الكون وتوازنه. يقول سبحانه وتعالى :
{ تُسَبِّحُ له السمواتُ السَّبْعُ والأرضُ ومن فيهِن وإنْ من شيء إلا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لا تفْقَهون تَسْبيحَهُم إنه كان حليما غَفورا } (سورة الإسراء : الآية 44).
فعندما يقول سبحانه وتعالى : { وإن من شيء إلا يسبح بحمده }، فهذا معناه أن أي كائن حياً كان أم جماداً قد أناط الله به مهمة تساهم بكيفية أو أخرى في وحدة وتوازن هذا الكون. غير أن الإنسان بنظرته الأنانية للبيئة لم يعط أهمية للمعنى السامي والروحي للتسبيح، بل صب كل اهتمامه على ما يمكنه أن يجنيه من نفع للكائنات ناسياً أن وراء هذا التسبيح غاية سامية تتمثل في احترام ما أناطه الله من مهام بمخلوقاته كافة. يقول سبحانه وتعالى في نفس الآية : { لكن لا تفقهون تسبيحهم } أي أن العباد، عوض أن يتمعنوا في وحدة الكون وفي تناسقه وتناغمه، أعماهم طموحهم للسيطرة على البيئة للاستفادة من جوانبها المادية متجاهلين النهج والنظام اللذين بثهما الله في هذا الكون من خلال كائناته المتنوعة. يقول سبحانه وتعالى :
{ أَلَمْ تَرَ أنَّ الله يَسْجُدُ له مَنْ في السموات ومن في الأرض والشمس والقمرُ والنجومُ والجـبالُ والشـجرُ والـدَّوَابُ وكـثيرٌ من الناسِ وكثيرٌ حقَّ عليه العَذَاُبُ } (سورة الحج : الآية 18).
إن دلت هذه الآية على شيء، فإنما تدل على أن الناس صنفان. صنف يحترم غايات الكون والنظام الذي سنه فيه سبحانه وتعالى من خلال المخلوقات، وصنف يتجاوز النهج الإلهي ويحاول أن يطغى ولو أدى ذلك إلى الخراب والدمار. وفي حق هذا الصنف الثاني من الناس، يقول سبحانه وتعالى : { وكثير حق عليه العذاب }.
وحينما يقول سبحانه وتعالى : { ولا تعثوا في الأرض مفسدين }، فإن الله يوصي عباده بأن يحافظوا على نظام البيئة وذلك باحترامهم لمكونات هذه البيئة لتقوم بالمهام التي أنيطت بها.
يقــول سبحانـه وتعالــى : { وما خلقنـا السمـاء والأرض ومـا بينهمـا باطـلا } (سورة ص : الآية 27) أي أن الله عندما خلق الكون، لم يترك أي شيء للصدفة تتحكم فيه. بل إن الله سن لمخلوقاته نهجاً تسيـر عليه وتعمـل وتؤدي مهامها بموجـبه. هذا هو ما يشيـر إليه سبحـانه وتعالـى بقوله : { كُلٌّ قـد علـم صلاتـه وتسبيحـه والله عليم بمـا يفعلـون } (سورة النور : الآية 41).
إن مفهوم الغائية الذي توصل إليه المفكرون حديثاً لم يأت في الحقيقة بجديد. إنه فقط أكد ما نص عليه القرآن الكريم منذ عدة قرون. فحينما يقول هؤلاء المفكرون أن أي كائن حي له في حد ذاته قيمة، فهذا اعتراف بأن هذا الكائن لم يخلق عبثاً، وبالتالي، فالإنسان مطالب بأن يحترم هذه القيمة من خلال هذا الكائن، الشيء الذي يحتم عليه بصفة عامة أن يغير تعامله مع البيئة.
وما أتى به الفكر المعاصر من مفاهيم أكده ولا يزال يؤكده العلم بواسطة الملاحظة والتجريب. والأمثلة هنا كثيرة ومتعددة تخص الجراد والنحل والنمل والطيور والأسماك والثدييات، الخ.
من المعروف أن العديد من الحيوانات تهاجر من مكان إلى آخر إما من أجل التوالد وإما من أجل البحث عن أماكن يتوفر فيها ما تحتاج إليه من غذاء. فإذا كان سبب الهجرة الواضح هو البحث عن غذاء أو عن أماكن للتوالد، فهناك أسباب أخرى غير واضحة للعيان تدفع هذه المخلوقات إلى الهجرة. وإن لم يكن هناك أسباب أخرى غير الأسباب الواضحة، فكيف يمكن تفسير الرغبة القوية التي تنتاب هذه الحيوانات عندما يحل موعد الهجرة. وكيف يمكن تفسير المشاق التي تتكبدها هذه الحيوانات وهي في طريقها إلى مكان الهجرة ولو كان ذلك على حساب حياة العديد منها.
إن البحث عن القوت وعن أماكن للتوالد أسباب غريزية لا نقاش فيها. لكن يجب أن لا يغيب عن الأذهان أن الطيور عندما تهاجر من قارة إلى أخرى، فإنها تساهم بكيفية أو بأخرى في استمرار دورة الحياة. فإذا تعلق الأمر مثلاً بالطيور، فمن المعروف أن منها من يتغذى على البذور والثمار، ومنها من يتغذى على الحشرات والضفادع والفئران والأسماك، الخ. فإذا عرفنا أن هذا النوع من الأغذية يكون متوفراً بكثرة في الأماكن المهاجر إليها، فإن وجود الطيور المهاجرة في تلك المناطق يمكن تفسيره بدافع البحث عن القوت ولكن كذلك بمساهمتها في الحفاظ على التوازن الطبيعي.
بالفعل، إن الحشرات والضفادع والفئران، الخ، حيوانات تتوالد بكثرة. فإذا لم يوضع حد لتكاثرها، فإنها تغزو الأوساط وتأتي على ما فيها من حياة، الشيء الذي يؤدي إلى اختلالات في التوازنات الطبيعية. ولهذا، فإن هجرة الطيور إلى مناطق معينة في فترات معينة تساهم في استقرار أعداد بعض الأنواع من الحيوانات في مستويات معينة.
و كيفما كـان الحـال وكمـا جـاء في قولـه تعالـى : { كل قد علم صلاته وتسبيحه } (سورة النور : الآية 41)، فإن أي كائن حي وجد في هذا الكون إلا وأنيطت به مهمة أو مهام وحينما يكون منهمكا في أداء هذه المهام، فإنه يخضع للنهج الذي سن عليه الخالق هذا الكون. وهذا هو التسبيح والسجود والصلاة التي أشار إليه الحق سبحانه وتعالى في الآيات الكريمة سالفة الذكر.
غير أنه يبدو أن الإنسان بصفة عامة والإنسان المعاصر بصفة خاصة قد نسي أو تناسى أنه مطالب هو الآخر كباقي المخلوقات أن يسبح ويسجد ويصلي للخالق وذلك بأداء المهام التي أنيطت به ككائن استخلفه الله في الأرض ليؤكد معنى خـلقه وغـاية وجوده في الكون بدليل قوله تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } (سورة الذاريات : الآية 56). فعوض أن يسير في النهج الذي رسمه الله سبحانه وتعالى، فإنه فصل نفسه عن البيئة وأراد أن يسيطر عليها. إن الإنسان بعمله هذا يسيء لوحدة الكون التي من أجلها سبحت وتسبح لله كل مخلوقات هذا الكون.
وحينما ركز الفلاسفة والعلماء البيئيون على مفهوم الغائية، فإنهم لم يفعلوا شيئاً جديداً سوى أنهم حاولوا أن يعيدوا الإنسان إلى ما بينه الله لعباده البشر منذ عدة قرون.
3.6. مفهوم حماية البيئة :
إن مفهوم حماية البيئة حديث العهد حيث تم إدخاله في قاموس المعرفة البيئية خلال أواخر النصف الأول من القرن العشرين. فلا غرابة إذا اقترن ظهور هذا المفهوم بالفترة التي بدأت فيها المجتمعات المعاصرة وخصوصا في الدول المصنعة تعي ما ألحقته تصرفاتها وأنشطتها الصناعية من أضرار بالبيئة.
بالفعل، إن الإنسان بما أدخله من تغييرات ضخمة على النظم البيئية تجاوز إلى حد كبير الفطرة التي خلق الله عليها هذه الأرض، وبالتالي، لم تعد هذه الأخيرة في أكثر من مكان قادرة على استيعاب هذه التغييرات. فإذا أبدى الإنسان بعض الاستعداد لإصلاح ما أفسده، ففي غالب الأحيان، يبقى هذا الاستعداد على مستوى النوايا وليس على مستوى الأفعال.
فكيف للإنسان أن يصلح ما أفسده في البيئة ونظرته الأنانية لهذه البيئة لم تتغير في شيء؟ فلا يزال الإنسان يطمح إلى السيطرة على البيئة ولا يزال يستغل مواردها استغلالا غير عقلاني ولا يزال يستعمل التكنولوجيات المتناقضة مع نواياه الإصلاحية ولا يزال يطمح إلى تحقيق أعلى المستويات في التقدم الاقتصادي المادي المبني على الإنتاج والاستهلاك اللامحدود ين. بل لا يزال يفصل نفسه عن البيئة طمعاً في إخضاعها بواسطة العلم والتكنولوجيا لرغباته الإنمائية.
إن الإنسان رغم النداءات المتتالية والآتية من جميع أنحاء المعمور، لا يزال يتعامل مع البيئة حسب نظرته الأنانية وتفكيره المخطئ الذي يفرز تصرفات مضرة بالبيئة. وخير دليل على ذلك، عدم تحقق كامل أهداف قمة الأرض الثانية التي انعقدت بنيويورك خلال شهر يونيو سنة 1997 والتقدم البطيء الذي تعرفه الاتفاقيات الثلاث التي انبثقت عن قمة الأرض الأولى التي انعقدت بريو سنة 1992 والتي تتعلق بتغيير المناخ والتنوع البيولوجي والتصحر. إن مفهوم حماية البيئة سوف لن يكتب له النجاح ما دام الإنسان المعاصر متشبثاً بنظرته الأنانية للبيئة وما يترتب عنها من أنماط غير عقلانية لاستغلال الموارد ولبناء الاقتصاد والمستوطنات البشرية والمنشآت الصناعية.
إن خروج مفهوم حماية البيئة إلى حيز التطبيق يقتضي أن يغير الإنسان نظرته للبيئة وأن يعود إلى الصواب الذي رسمه له الله في كتابه العزيز. يقول سبحانه وتعالى :
{ الذي جعل لكم الأرضَ مَهْداً وجعل لكم فيها سُبُلاً لعلكم تهتدون } (سورة الزخرف : الآية 10).
لقد آن الأوان ليسلك الإنسان السبل التي رسمها له الله والمتمثلة في استعمال العلم استعمالاً يليق وما يتطلبه النهج البيئي السليم. في هذه الحالة، يكون الإنسان قد خطا خطوات نحو التطبيق الفعلي لحماية البيئة.
وفضلاً عن كل هذا، فإذا شعر الإنسان المعاصر بضرورة حماية البيئة يجب أن لا يعني هذا أنه في الماضي وفي القرون السابقة لم يكن مطالباً بالقيام بهذه المهمة. بل بالعكس، إن مفهوم حماية البيئة مرتبط بوجود الإنسان على سطح الأرض وذلك لأن الله، من جهة، استخلفه في هذه الأرض، ومن جهة أخرى، لأن الإنسان هو أكثر المخلوقات توغلاً في البيئة واستغلالاً لمواردها. فإذا كان الإنسان المعاصر مطالباً بأن يحمي بيئته أكثر من أي وقت مضي، فإن هذه الحماية واجب ملازم لوجود الإنسان.
إن هذا اللزوم وارد في القرآن الكريـم غير ما مرة. فحينما يقـول سبحانـه وتعـالى : { والله لا يحب المفسدين } (سورة المائدة : الآية 64) أو { ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين } (سورة الأنعام : الآية 141) أو { ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } (سورة الأعراف : الآية 85)، فإنه يدعو الإنسان إلى أن يتجنب الفساد والإسراف لأنهما عاملان من عوامل تخريب البيئة وتدميرها، وبالتالي، فإن الله يدعو هذا الإنسان بصفة غير مباشرة إلى أن يحمي هذه البيئة ويحافظ عليها.
والآيات التي تشير إلى وجوب حماية البيئة من طرف الإنسان كثيرة نذكر منها على سبيل المثال :
{ يا أيها الذين آمنوا كُلُوا من طَيِّباتِ ما رَزْقناكم واشْكروا لِلَّه إِنْ كُنْتُم إِيَّاهُ تَعْبُدُون } (سورة البقرة : الآية 172).
{ وآتاكم من كلِّ ما سألْتُمُوُه وإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لا تحْصُوها إنَّ الإنسانَ لظلومٌ كَفار } (سورة إبراهيم : الآية 34).
{ هو الذي أنْزَلَ مِنَ السماءِ ماءً لكم منه شرابٌ ومنه شجرٌ فيه تُسِيمون يُنْبِتُ لكم به الزَّرْعَ والزيتونَ والنخيلَ والأعنابَ ومن كلِّ الثمراتِ إِنَّ في ذلك لآيةً لقوم يتفكَّرون } (سورة النحل : الآيتان 11-10)
{ وما ذَرَأَ لكم في الأرضِ مُخْتَلِفاً أَلْواُنهُ إِنَّ في ذلك لآيةً لقوم يَذَّكَّرُون وهو الذي سَخَّرَ البحر لتأكلوا منه لَحْماً طرياً وتَسْتَخْرِجُوا منه حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وتَرى الفُلْكَ مَوَاخِرَ فيه ولِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ ولعلَّكم تَشْكُرون وألْقَى في الأرضِ رَوَاسِي أَنْ تَمِيدَ بِكُم وأَنْهاراً وسُبُلاً لعلَّكم تَهْتَدُون } (سورة النحل : الآيات 15-14-13).
{ ومن ثمراتِ النَّخيلِ والأعنابِ تَتَّخِذونَ منه سَكَراً ورزْقاً حَسَناً إِنَّ في ذلك لآيةً لقوم يعقلون } (سورة النحل : الآية 67).
{ والله جعل لكم مما خَلَقَ ظِلالاً وجعل لكم من الجبالِ أكْنَاناً وجعل لكم سَرَابِيلَ تَقِيكُم الحَرَّ وسَرابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُم كذلك يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عليكم لعلَّكم تُسْلِمُون } (سورة النحل : الآية 81).
{ كُلُوا وارْعَوا أَنْعامَكُم إن في ذلك لآيةً لأولي النُّهى } (سورة طه : الآية 54).
{ وأنْزَلْنَا مِنَ السماءِ ماءً طَهورا لِنُحْيِيَ به بَلْدَةً مَيِْتاً ونُسْقِيَهُ مما خَلَقْنَا أنْعاماً وأناسِيَّ كثيراً ولقد صَرَّفْنَاهُ بينهُم لِيَذَّكَّروا فأبَى أكثرُ الناسِ إلا كُفُوراً } (سورة الفرقان : الآيات 50-49-48)
{ أوَلَمْ يَرَوا إلى الأرضِ كم أَنْبَتْنا فيها من كلِّ زوْج كريم إن في ذلك لآيةًّ وما كان أكثرُهُم مُؤمِنين } (سورة الشعراء : الآيتان 8-7).
{ والأرضَ مَدَدْنَاها وألْقَيْنَا فيها رواسِيَ وأَنْبَتْنَا فيها من كلِّ زوجٍ بهيجٍ تَبْصِرَةً وذِكْرى لكلِّ عَبْدٍ مُنيبٍ } (سورة ق : الآيتان 8-7).
إن هذه الآيات الكريمة تشير كلها إلى ما أنعم الله به من خيرات ومنافع على الإنسان. والملاحظ أنها كلها تنتهي بعدة صيغ تنبه الإنسان من غفلته حيث يقول سبحانه وتعالى :
ـ { إن كنتم إياه تعبدون }
ـ { إن الإنسان لظلوم كفار }
ـ { إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون }
ـ { إن في ذلك لآية لقوم يتذكرون }
ـ { ولعلكم تشكرون }
ـ { لعلكم تهتدون }
ـ { إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون }
ـ { لعلكم تسلمون }
ـ { إن في ذلك لآيات لأولي النهى }
ـ { فأبى أكثر الناس إلا كفورا }
ـ { إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين }
ـ { تبصرة وذكرى لكل عبد منيب }.
دل هذا على أن الله سبحانه وتعالى وهب لعباده كل ما هم في حاجة إليه من خيرات وأنعام ومنافع. وعندما ينهي آياته القرآنية بالتنبيه، فإنه في الحقيقة يدعوهم إلى أن يعترفوا بهذه النعم بتسبيحه وحمده وذلك بالقيام بمهامهم كمستخلفين في الأرض.
ومن ضمن هذه المهام، أمانة المحافظة على البيئة وضمان استمرار ثرواتها.
إن التنبيهات التي ينهي بها الله بها سبحانه وتعالى الآيات سالفة الذكر هي نداء للإنسان بأن يكون في مستوى النعم التي حباه الله إياها. فإذا عبد الناس الله وتفكروا وتذكروا وشكروا واهتدوا وعقلوا وأسلموا وكانوا من أهل النهى وآمنوا وتبصروا وأنابوا، فسيدركون أن عليهم حق صيانة وحماية البيئة التي من فضلها يأكلون وينتفعون.
لكن الإنسان المعاصر أراد أن يأكل وينتفع ويستفيد دون أن يؤدي مهامه كمستخلف في الأرض ناسياً أن استخلافه هذا أمانة وليس ترخيصاً للتصرف المطلق وغير العقلاني في الخيرات والأنعام والمنافع.
إن الله حين منح لعباده خيرات الأرض ومنافعها، فقد خول لهم فقط حق الانتفاع، وحق الانتفاع هذا يحتم على المنتفع كلما حصل على نفع أن يصون مصدر الانتفاع ويحافظ عليه ليستفيد منه في الحاضر والمستقبل.
يقول الله سبحانه وتعالى :
{ والأرضَ بعد ذلك دَحاها أَخْرَجَ منها ماءَها ومَرْعاها والجبالَ أرْساها مَتاعاً لكم ولأنْعَامِكُم } (سورة النازعات : الآيات 33-30).
{ فَلْيَنْظُر الإنسانُ إلى طعامِهِ أنَّا صَبَبْنَا الماءَ صبًا ثم شَقَقْنَا الأرضَ شقَّا فَأَنْبَتْنا فيها حباً وعِنَباً وقَضْباً وزيتوناً ونَخْلاً وحدائقَ غُلْباً وفاكهةً وأبًّا مَتاعًا لكم ولأنعامكم } (سورة عبس : الآيات 32-24).
فعندما يقول سبحانه وتعالى : { متاعا لكم ولأنعامكم } فهذا هو حق الانتفاع الذي هو أمانة في عنق الإنسان عليه أن يحافظ عليها ويضمن انتقالها من جيل إلى آخر. فحينما نقول من جيل لآخر، فهذا لا يعني أن هذا الحق يخص فقط أجيال البشر. بل إنه يخص أجيال الكائنات الحية بجميع أنواعها.
يقول سبحانه وتعالى :
{ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم } (سورة الأنعام : الآية 38).
وهذا يعني أن جميع الكائنات الحية لها حق الانتفاع من خيرات الأرض. غير أن هذا الحق لن يكون ممكناً إلا إذا أدى الإنسان الأمانة المتمثلة في ضمان انتقال الانتفاع عبر العصور والأجيال، الشيء الذي يعني أن على هذا الإنسان بذل المزيد من الجهود لحماية وصيانة مصادر الانتفاع.
وهكذا، فإذا شعر الإنسان المعاصر بضرورة حماية مصادر انتفاعه من البيئة، فإنه لم يفعل إلا ما أمره الله به منذ أن وجد على سطح الأرض.
نحو مبادئ عامة لتبني تنمية شاملة مستدامة ذات توجه إسلامي
من خلال ما سبق، يتضح أن كل ما جاء به الفكر البيئي المعاصر من مفاهيم لتغيير نظرة الإنسان للبيئة قد أشار إليها القرآن الكريم من خلال العديد من آياته المجيدة، سواء تعلق الأمر بمفاهيم شمولية البيئة والتوازن ومحدودية الموارد وتنوع الحياة والغائية أو حماية البيئة.
إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على أن الله عز وجل بين لعباده في كتابه العزيز التوجهات الكبرى والمبادئ الأساسية العامة التي عليهم أن يتبعوها لتنظيم تعاملهم مع البيئة. وهذا يعني أنه سبحانه وتعالى وضع الإطار العام الذي يجب أن تنبثق منه تصرفات الإنسان داخل البيئة وتصب فيه. وحينما نقول إن الله رسم لعباده التوجهات الكبرى والمبادئ الأساس، يجب أن لا يَعُدَّ هذا بمثابة تقييد لأيدي الإنسان. بل العكس، إن الله ترك لعباده حرية التصرف ولكن على أن يبقى هذا التصرف فيما رسمه الله من حدود.
يقول سبحانه وتعالى في كتابه العزيز :
{ وما مِن غَائِبَةٍ في السماءِ والأرضِ إلا في كِتَابٍ مُبِين إنَّ هذا القرآنَ يَقُصُّ على بني إسرائيل أكثرَ الذي هُمْ فيه يَخْتَلِفون وإنه لَهُدىً ورحمةً للمومنين } (سورة النمل : الآيات 77-76-75).
إن القرآن الكريم ليس كتاباً في علم البيئة لكنه يشكل المنبع الأول والأخير الذي يجب أن يبنى عليه هذا العلم. والدليل على ذلك أن كل ما توصل إليه العلماء والمفكرون والفلاسفة البيئيون المعاصرون من أفكار ومفاهيم متضمن بكيفية أو بإخرى في القرآن الكريم. وهذا خير دليل على أن كتاب الله هو أحسن منطلق وسند يمكن الاعتماد عليه لوضع أسس إسلامية لتنمية مستدامة هادفة. من أجل هذا، يكفي التمعن في الآيات الكريمة العديدة سالفة الذكر. لقد تطرقت هذه الآيات لجميع القضايا والمفاهيم البيئية التي تشغل حالياً بال المجتمع البشري والمفكرين المعاصرين. وهكذا، فإن كل مفهوم تم تفسيره من خلال آيات القرآن الكريم يقابله مبدأ أساس عام يمكن استنباطه من نفس الآيات. فمفهوم شمولية البيئة يقابله مبدأ وحدة الكون، ومفهوم التوازن يقابله مبدأ الميزان، ومفهوم محدودية الموارد يقابله مبدأ المقدار، ومفهوم تنوع الحياة يقابله مبدأ تنوع الخلق، ومفهوم الغائية يقابله مبدأ التسبيح، ومفهوم حماية البيئة يقابله مبدأ حراسة الأرض. هذه المبادئ التي تم استنباطها من الذكر الحكيم والتي يمكن أن تكون أساساً لتنمية مستدامة ذات توجه إسلامي. والمقصود هنا بالتنمية المستدامة ذات التوجه الاسلامي لا يعني أن للإسلام تنمية مستدامة خاصة به أو أنه يرفض مفهوم التنمية المستدامة كما هو متعارف عليه اليوم. بل المقصود هو أن الإسلام له رؤية فعالة ومتميزة في هذا المجال.
4.1. المبدأ العام الأول: وحدة الكون :
كما سبق الذكر، إن العديد من آيات القرآن الكريم تشير إلى وحدة الكون الذي هو صنع خالق واحد. وهذا معناه أن هذا الكون من صنع هذا الخالق الواحد، أي أن عناصره متداخلة ومتشابكة. والإنسان الذي هو من خلق الله لا يمكن أن يستثنى من هذه الوحدة. فعندما يشير سبحانه وتعالى للخلق، فإنه يشير إليه من خلال السموات والأرض وما بينهما. وهذا يعني أن الخلق عبارة عن وحدة متكاملة ومتناسقة تعمل حسب نسق متوازن. يقول سبحانه وتعالى :
{ ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى } (سورة الاحقاف : الآية 3).
إن تبني مفهوم الشمولية أصبح في الوقت الراهن هدفاً رئيساً يسعى إلى تحقيقه الفكر العلمي بصفة عامة والفكر البيئي بصفة خاصة. وفي هذا الصدد، لا بد من الإشارة إلى أن مفهوم التنمية المستدامة لا معنى له إذا لم يكن مقترناً على أرض الواقع بشمولية المعرفة. إن هذه الشمولية أحد المبادئ التي يرتكز عليها مفهوم التنمية المستدامة كما هو متعارف عليه اليوم. والمقصود هنا بشمولية المعرفة هو تكاملها لتبرز من خلالها وحدة البيئة والترابط القائم بين مكوناتها. ولتكون المعرفة البيئية شمولية، أوصى مؤتمر تبيليسي ومن بعده مؤتمرات أخرى على أن تقارب هذه المعرفة حسب ثلاثة اتجاهات :
ـ إما أن تبقى التخصصات العلمية قائمة بذاتها وتستخرج منها المعارف لتكوين نظرة شمولية عن البيئة، وهو ما يسمى بتعدد التخصصات Multidisciplinarité
ـ إما أن تبقى التخصصات العلمية قائمة بذاتها على أن تقام بينها جسور تمكن من تكاملها، وبالتالي، الخروج بنظرة شمولية عن البيئة وهو ما أطلق عليه اسم تكامل المعرفة Interdisciplinarité
ـ إما أن تختفي الحواجز الفاصلة بين التخصصات للوصول إلى وحدة المعرفة، أي إلى ما يسمى بالعلم البيئي (environnementale Science) وليس إلى العلوم البيئية environnementales Sciences) كما هو الشأن الآن. يسمى هذا التوجه المقاربة الفكرية الشمولية Transdisciplinarité
فإذا كانت المقاربة الأولى سارية المفعول ومعمولاً بها، فإن الثانية صعبة التطبيق نظرًا للحواجز القائمة بين التخصصات العلمية. أما الثالثة، فلا مجال لتطبيقها لأن الفكر العلمي المعاصر مبني أساساً على تجزيء الواقع إلى وحدات مستقلة و حيث تقتضي أن ينظر إلى البيئة ككل متكامل لا يقبل التقسيم.
إن ما يثير الانتباه هنا هو أن وحدة المعرفة التي أشار إليها المفكرون البيئيون المعاصرون وأوصوا بتبنيها مشار إليها في القرآن الكريم وفي الحديث النبوي الشريف. بالفعل، إن كلمة "علم" استعملت دائماً في القرآن الكريم وفي السنة في صيغتها المفردة "علم" ولا أثر فيهما لجمعها "علوم".
وهكذا، فإذا أشار القرآن الكريم إلى وحدة الكون أي إلى شمولية البيئة، فإنه أشار كذلك إلى وحدة المعرفة، وهذا يعني أن المقاربة الفكرية الشمولية Transdisciplinarité التي حث عليها المفكرون البيئيون المعاصرون للتعامل مع البيئة متضمنة في القرآن الكريم.
فعندما تم اختيار مبدأ "وحدة الكون" كأول مبدأ للتنمية المستدامة ذات التوجه الإسلامي، فهذا يعني أن الإنسان عندما يريد أن يتعامل مع البيئة، عليه أن يعتبرها كوحدة مترابطة الأجزاء. وحتى وإن جزأها على مستوى التفكير ليتعرف عليها، فعمله داخلها يجب أن يكون متطابقاً مع الشمولية ومبنياً على احترامها.
4.2. المبدأ العام الثاني: الميزان :
المقصود بالميزان هو ذلك الوضع الوسط الذي يسود بين مكونات الكون والذي بفضله تعمل وتتفاعل هذه المكونات وتقوم بينها علاقات متوازنة. الميزان هو تفادي الإسراف والإفراط والتجاوز في التعامل مع البيئة. لقد بينا كما سبق الذكر، أنه لا سبيل للحياة إذا لم يكن هناك توازن في نظام الترابط البيئي. فإذا تغاضى الإنسان عن وحدة الكون وتجاوز الفطرة وتخلى عن أمانة الاستخلاف، فإنه يخل بالميزان الذي جعله الله كضامن لاستمرار الحياة في هذا الكون. والميزان هنا لا يجب أن يدركه الناس فقط بمعنى وزن الأشياء المادية. فكل نشاط أو فعل يقوم بهما الإنسان للتعامل مع البيئة يجب أن يكونا موزونين ليتلاءما مع هذه البيئة.
يقول سبحانه وتعالى :
{ الله الذي أنْزَلَ الكتابَ بالحَقِّ والمِيزان } (سورة الشورى : الآية 17).
4.3. المبدأ العام الثالث : المقدار :
يقول سبحانه وتعالى :
{ إنَّا كلَّ شيءٍ خَلَقْناه بِقَدَر } (سورة القمر : الآية 49).
أي أن الله عز وجل عندما خلق مكونات الكون، راعى في خلقها الكم والكيف ضماناً للتوازن والتناسق. وهذا يعني أن هذه المكونات تتواجد في البيئة حسب كميات متفاوتة وأشكال مختلفة. فعندما ننزل مثلاً إلى البحر، فإننا نلاحظ وجود عشرات الأشكال من الحياة التي لا ترى بالعين المجردة. ما كان لهذه الأشكال أن تتساكن وتستمر في الحياة لو لم تقم بينها علاقات متناسقة ومتوازنة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الكم والكيف يلعبان دوراً حاسماً في استمرار هذا التوازن. فإذا احتوى مثلاً ماء البحر على كميات هائلة وضخمة من العلق النباتي، فذلك راجع لكون هذا العلق من جهة يشكل أول غذاء للعديد من الكائنات الحيوانية مرئية وغير مرئية التي تشكل بدورها مصدراً غذائياً لكائنات أخرى وهكذا. ومن جهة أخرى، فإن العلق البحري النباتي يعتبر كذلك أول مزود للهواء بالأكسجين بعد المساحات الخضراء البرية.
وهكذا، فإن تفاوت الكم بين مكونات البيئة يلعب دوراً في الحفاظ على توازنها، فحينما يقول الحق سبحانه وتعالى : { وكل شيء عنده بمقدار } (سورة الرعد : الآية Cool، فهذه إشارة إلى أن الأشياء لم تخلق عبثاً وأن الكم يلعب دوراً في تماسكها وتناسقها.
4.4. المبدأ العام الرابع: تنوع الخلق :
كما سبقت الإشارة إلى ذلك، كلما تنوعت أشكال الحياة، كلما كانت للنظم البيئية قدرة عالية لمقاومة التغييرات التي تحدث بها طبيعياً أو من جراء تدخل الإنسان. وهذا يعني أن تنوع الخلق وسيلة للحفاظ على وضع هذه النظم البيئية الفطري، أي على توازنها الطبيعي. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مبدأ المقدار لا يمكن فصله عن مبدأ تنوع الخلق إذ لا توازن بيئي بدونه.
فكلما تنوع الخلق، كلما ازدادت فرص تحقيق توازن بيئي مستمر. لقد وفر الله سبحانه وتعالى هذه الفرص في الكون ظاهرة وباطنة. يقول سبحانه وتعالى :
{ سُبْحانَ الذي خَلَقَ الأزْوَاجَ كُلَّها مما تُنْبِِتُ الأرضُ ومِن أنْفُسِهِم ومما لا يعلمون } (سورة يس : الآية 36).
4.5. المبدأ العام الخامس: حراسة الأرض :
عوض أن ينصب الإنسان نفسه سيداً على الأرض، عليه أن يتذكر أن الله استخلفه عليها ليقوم بحراستها وصيانتها. والدليل على ذلك أنه فضله على الكثير من المخلوقات وزوده بالعقل والذكاء والفطنة ليقوم بهذه المهمة أحسن قيام. عليه كذلك أن يسخر ما أوتي من العلم لأداء مهمة الاستخلاف ولضمان استمرار حق الانتفاع من خيرات الأرض له ولغيره من الأجيال الآتية: غير أن هذا الاستمرار يحتم عليه أن يحرس الأرض ويرعاها كما أمره الله بذلك.
يقول سبحانه وتعالى :
{ ثم جَعلناكم خَلائِفَ في الأرضِ من بعدِهم لِنَنْظُرَ كيف تعملون (سورة يونس : الآية 14).
4.6. المبدأ العام السادس : التسبيح :
لقد سبق وأن وضحنا أن الله سبحانه وتعالى أناط بمخلوقاته مهاماً معينة. فعندما يكون الكائن منهمكاً في أداء هذه المهام، فإنه في نفس الوقت ينفع نفسه وينفع الكائنات الأخرى. وعندما يؤدي الكائن مهامه، فإنه يخضع لخالقه الذي أناطه بهذه المهام. يقول سبحانه وتعالى :
{ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين } (سورة الأنبياء: الآية 16).
فعلى الإنسان أن يعي هذه الحقيقة وأن ينضم للمسبحين لله، وذلك لأداء مهمة الاستخلاف أحسن أداء. إن التسبيح هو الخضوع لله والخضوع لله لا يمكن أن يكون خضوعاً إلا إذا أدى إلى تطبيق ما أمره الله به. وتطبيق أوامر الله يقتضي أن لا يفصل الإنسان نفسه عن البيئة وأن لا يطغى ويستبد في تعامله معها.
وخلاصة القول، إن هذه المبادئ العامة الستة مترابطة فيما بينها واحترامها من طرف الإنسان عند تعامله مع البيئة يعود إلى التنمية المستدامة التي حث عليها الإسلام وأكدها لعمارة الكون وصلاح الإنسان.
(1) مؤتمر تم تنظيمه من طرف الأمم المتحدة بستوكهولم بالسويد من 5 إلى 16 يونيو 1972 حول "البيئة البشرية". وكان أول منبر عالمي يتم التطرق فيه للبعد البشري كمكون أساس لمفهوم البيئة.
(2) مؤتمر تم عقده بمدينة تبيليسي (جورجيا، الاتحاد السوفياتي سابقاً) من طرف منظمة اليونيسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة من 14 إلى 26 أكتوبر 1977 حول التربية البيئية. وهو أول منبر عالمي يعطى فيه لمفهوم البيئة مضمون شمولي يأخذ بعين الاعتبار البعد البشري.
(1) تقرير نشر أولاً باللغة الإنجليزية تحت عنوان "Our Common Future" ثم باللغة الفرنسية تحت عنوان "Notre avenir tous" (مستقبلنا المشترك) من طرف اللجنة العالمية للبيئة والتنمية التي تدعى كذلك لجنة برنتلاند (Commission Bruntland) باسم الوزيرة الأولى للنرويج التي كلفت من طرف الأمين العام للأمم المتحدة بالإشراف على أشغال هذه اللجنة. كانت هذه اللجنة هي أول هيئة عالمية توصي بتبني مفهوم التنمية المستدامة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://ipecs.sudanforums.net
 
دراسة عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الثاني _ منظمة الإيسيسكو
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» دراسات عن التنمية المستدامة من منظور القيم الإسلامية وخصوصيات العالم الإسلامي الجزء الاول لمنظمة الايسيسكو
» التنمية الاقتصادية
» السرطان (منظمة الصحة العالمية)
» حمى لاسا (منظمة الصحة العالمية)

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
ARFS Investment  :: أجتماعية-
انتقل الى: